"القرطاس والقلم، هكذا تكلم رشيد نيني" هو عنوان الكتاب الذي يصدر في غضون شهر رمضان الجاري للكاتب المبارك الغروسي، ويعتبر هذا العمل أول كتاب يحاول قراءة الأبعاد البلاغية والجمالية في كتابات رشيد نيني ليروم من خلالها فهم سر نجاح رشيد نيني كاتبا مغربيا وهو ما نلحظه في العنوان الفرعي " بلاغة الخطاب وأسرار الكتاب" .
المنهج الذي اعتمده زميلنا الغروسي في قراءته المتن النيني في عموده "شوف تشوف" هو منهج جمالية التلقي إذ حاول تفكيك الأساليب البلاغية والخطابية والحجاجية التي جعلت من عمود نيني يحظى بكل هذه المقروئية في المغرب.
كما يلحظ الكاتب، في بداية الكتاب، انظباط رشيد نيني للقواعد الخطابية كما قررها أرسطو كقواعد لنجاح الحجاج الخطابي ليفيد أن حجة نيني حدسية وجدانية لأنها تستهدف الجمهور الواسع، ويرصد اهتمام نيني الكبير بما يمثل المشترك الوجداني بين الجمهور الواسع من خلال احتفاءه بالعبارات الدارجة وبالأمثال الشعبية وبالذكريات التي جمعت المغاربة خلال فترة ما بعد الاستقلال، كما يرصد الكتاب أن رشيد نيني استطاع من خلالها أن ينصب نفسه في وجدان القارئ كممثل لشرائح اجتماعية واسعة وجدته ينطق بوجدانها ويترجم مكنوناتها وينقل معاناتها الصامتة.
في هذا الباب، يخصص الكاتب مقالا لبلاغة العنوان عند رشيد ثم لأشتغاله الذكي على استهلالات وخاتمات مقالاته بشكل يجعلها تؤدي وظائفها التواصلية والتأثيرية بنجاعة، كما يرصد بناء العمود على قاعدة التنويع المريح للقارئ وعلى الانتقال السلس بين مواضيع لا رابط بينها بشكل يخلق المتعة والإفادة .
ويهتم الكاتب بلغة نيني التي يصفها بـ"اللسان المغربي المبين" ليخلص أن ميزة نيني أنه يكتب للمغاربة دون غيرهم، عبر انتقال لغوي ومعنوي بين العبارة الدارجة والتعبير العربي الفصيح... ونقف في الكتاب على أوجه موضوعاتية ساهمت في نجاح العمود من خلال جعله مجالا لعرض مشاكل الشرائح التي تصل إلى التعبير عن مطالبها حيث يصف الكاتب رشيد نيني بـ"نقيب من لانقابة" وكذا "تمريغه وجوه خصومه في التراب خالقا لجمهوره متعة مشاهدة مباراة ملاكم يضرب بالضربة القاضية".
يقول الغروسي المبارك عن مشروع الكتابة عن رشيد نيني "إن الرجل رغم أنه ظاهرة إعلامية وأدبية ومجتمعية إلا أن البحوث الإعلامية والأدبية والدراسات الإجتماعية لم تهتم به إلا لماما.. ويأتي الكتاب كمبادرة أولية لتعميق البحث في الظاهرة ليس فقط لفهم نيني بل لفهم المجتمع الذي تجاوب معه.. ففي الكتاب حاولت فهم العقل المغربي العام من خلال الاشتغال على أوليات الكتابة النينية".
لا يقتصر الكتاب على تأمل مقالات العمود تشوف بل إنه يخصص فصله الثاني للكتاب الناحج "يوميات مهاجر سري" ويقف عندها أيضا ليحلل النص على أنه سيرة جمعية لجيل من المهاجرين المتعلمين لا سيرة ذاتية لكاتبها، وليصف الروح التي كتبت ب"الهجرة والتكفير" لشباب هجر الوطن ليكفر بكل المثل التي تربي عليها بفعل صدمة الإحباط الاجتماعي والسياسي.. ويجعل الكاتب من رشيد نيني في يومياته يمضي على خطى القديس أوغسطين وجان جاك روسو في البوح والإعترافات بالخطايا والآثام والميل إلى شر الأفعال، وكذلك على خطى محمد شكري الذي يقول الكاتب أن رشيد نيني عبر به البوغاز ليرصد عوالم المهمشين والمنفيين والشاذين هناك ويسجل شهاداتهم عن اصول مآسيهم.."
يمكننا الفصل الأول من فهم الجوانب النفسية لدى رشيد التي جعلته يكون ما كانه في عموده وتجربته بعد العودة... وفي خاتمة الكتاب يخلص الكاتب إلى أن رشيد نيني فينيق متجدد فمساره يتميز بكونه يخلق من الأزمات والحرائق حيواة جديدة لذاته... من رماد الحرائق يخلق رشيد سماد لربيع يزدهر كل مرة".
يقع الكتاب في 110 صفحة من القطع المتوسط، عن دار الرباط نت، في طبعته الأولى من عام 2011.