بسم الله الرحمن الرحيم
بداية، أعترف أن المدعو محمد الشوبي لا يستحق أن أرد عليه. ليس تكبرا ولا استعلاء، معاذ الله، ولكن لأنه لم يفهم شيئا من مغزى رسالتي لعاهل البلاد، ومن أجل إفهامه، أنا في حاجة إلى إعطائه دروسا في المناخ السياسي الذي يحيط به من كل جانب، وإلى تعليمه كيف يكون الأدب مع ولي الأمر في فقهنا الإسلامي الخالد، وفي الدلالات الحقوقية المتراكمة بخصوص هذا الملف الشائك الذي يسمى (الإرهاب) وفي مدلول مسطرة العفو الملكي الذي هو حق دستوري قديما وحديثا، وفي معاني التوبة والإنابة والصفح والمغفرة والعطف والرحمة... وفي غير ذلك كثير وكثير جدا مما جاء في رسالة الشوبي. وهذا ما لا يمكن أن يتم في رد سريع.
عبارات التجريح والإهانة والتحقير بل والتحريض الجبان باللعب على استقراء ما لا يستقرأ واستنباط ما لا يستنبط والتعسف المخل جدا في التحليل العليل...كل هذا ما كان ليدفعني للرد على الشوبي، لأنه لو كل من انتصب إلي بالقدح والشتم والهذيان الفكري رددت عليه لاحتجت إلى عمر نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
وقديما قالوا:
لو كل كلب عوى ألقمته حجرا، لأصبح الصخر مثقالا بدينار
ولكني سأرد عليه مضطرا في قضية أو قضيتين من فحوى رسالته الجوفاء. عملا بقوله تعالى:{لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم}
وبقوله سبحانه: {وجزاء سيئة سيئة مثلها}
وبقوله جل وعلا: {من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} إلى آخر النصوص التي نزلت ووردت في هذا المعنى.
فأقول: إن العاهل الكريم ليس في حاجة إلى قاموس عبارات المدح والتبجيل الذي استمرأتم توظيفه في نفاقكم المكشوف لعلكم تحظون بحظوة زور تسترزقون منها. العاهل الكريم في حاجة إلى رجال مخلصين يذبون عن البلد تطرف المتطرفين وتسيب المتسيبين.
العاهل الكريم في حاجة إلى مخلصين حقيقيين يقدمون لثوابت أمتهم الغالي والنفيس... وكم عظم هذا الملك في عيني وقلبي وفي عيون كل الغيورين على هذه الأمة وقلوبهم عندما نزع عن نفسه القداسة التي صنعها متزلفون من قبل وذكًر الغافلين أن القداسة لله.
وكم عظم هذا الملك في نفسي يوم التقيته قبل حوالي شهر في أحد شوارع تطوان وهو يسوق سيارته بنفسه، وكنت خلفه بسيارة أركبها فيقف أمام الإشارة الضوئية الحمراء ويحيي هذا وذاك في تواضع منقطع النظير. يفعل ما يفعله آخر مواطن يسوق سيارته...
العاهل الكريم لا يريد جيوشا من المطبلين والمزمرين والمداحين والمنافقين... إنما يريد رجالا ونساء يخدمون وطنهم ويخلصون في ذلك، كل من زاويته ومن منصبه وكل بحسبه. وهذا أكبر ولاء يمكن أن يرضي العاهل الكريم. ويرضي الله سبحانه وتعالى قبل ذلك.
محمد الشوبي يستكثر علي رفع رسالة استعطافية لعاهل البلاد في قضية إنسانية بامتياز. وقبل الحديث عن هذه القضية أسأل الشوبي: ما المانع شرعا وعقلا وقانونا ودستورا وعرفا وخلقا أن يكتب مواطن عادي وبسيط رسالة إلى الملك بصرف النظر عن فحواها فضلا عن شخص مثلي أفنى حياته في الاشتغال بالعلوم الشرعية والدعوة إلى الله تعالى؟
ألم تر كم مرة أخذ العاهل الكريم رسائل مواطنين يدا بيد على قارعة الطريق؟ ألا تذكر زيارة الملك للمستشفيات والأحياء الهامشية وكيف يصافح رعاياه بتواضع بليغ؟ إن كنت لا تدري فأنا أدري والشعب المغربي يدري. ولا أنسى معانقة العاهل مرة لامرأة عجوز رحمة بها ومواساة لها على مرأى من العلم كله في تواضع أدمى مني العين. ما أظنك أنت تستطيع معانقتها مع كونك لا تساوي في برصة المواطنة الصالحة قيد قطمير، مما يجعل تلك المرأة العجوز تأنف أن يعانقها أمثالك.
هب أن جماعة العدل والإحسان لا تسمع من أحد، وأنها جماعة منغلقة لها أدبياتها ولها نظامها وتنظيمها وأن الكلام معها كنفخة في رماد أو صيحة في واد...
من قال لك بأن من كان هذا طبعه وهذه صفته لا يجوز مخاطبته ولا نصحه؟ إنك لو قرأت في القرآن الكريم لعلمت أن الله جل جلاله أرسل رسولين اثنين هما موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون اللعين ليقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى، مع العلم الأزلي عند مولانا سبحانه أن فرعون لن يتذكر ولن يخشى. وإذن لماذا أرسل الله تعالى إليه موسى وأخاه هارون والحالة هذه. {إذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} أترك لك الجواب مع علمي أن هذا فوق طاقتك بالنظر إلى مستواك الضحل وهشاشة تكوينك العلمي.
إنني هنا لا أقارن جماعة الشيخ ياسين بفرعون، حاشا وكلا. هؤلاء مواطنون مغاربة ومسلمون أخطأوا طريق التغيير والاحتجاج وساروا في اتجاه أرى أنه اتجاه لا يخدم مصلحة هذا الوطن، وهذا في تقديري هو منظور أغلبية هذا الشعب فيما أرى. وعلى هذا الأساس أرسلت إليهم رسالتي التي يبدو أن غيرتك منها أخذت منك كل مأخذ لا سيما وقد رأيت كيف تعاملت معها الصحف الوطنية برمتها، حيث خصصت لها العناوين المغلظة على صفحاتها الأولى بل منها ما نشرت الرسالة على طولها بالحرف كما فعلت جريدة ’’رسالة الأمة’’ في عددها 8857 ثم تأتي أنت تضرب في حديد بارد قائلا: (وهذا ما يؤكد بلاهته، وجهله بالحركات الإسلامية) فمن الأبله؟ ومن الجاهل بالحركات الإسلامية؟ أنا الذي اعتنت كل الصحف وغير قليل من السياسيين والحقوقيين والنخبة الفكرية في البلد بما كتبت؟ أم أنت الذي أقسم بالله أنني أضطر مرارا لمراجعة اسمك على رأس مقالك من كثرة نكارتك.
وهنا أسألك سؤالا بسيطا جدا تستطيع هذه المرة أن تجيب عنه. لماذا في نظرك كل هذا الاهتمام من كل هذه المنابر الإعلامية بهذه الرسالة التي تعتبرها أنت تافهة ويعتبرها فحول رجال الدولة وجهابذة الفكر والسياسة وغير قليل من أهل الفقه والعلم عين الصواب والحكمة. بل إن الجماعة نفسها لم ترد علي بهذا الهراء وقلة الحياء الذي امتاز به ردك والذي سودت به وجهك قبل صفحاتك. ولعلك قرأت رد الأستاذ أرسلان الذي وإن كان رفض مقترحاتي وله كل الحق في ذلك انطلاقا من حريته، قبل مني الحوار الذي هو أهم بند في الرسالة.
أما الرسالة الثانية أي التي رفعتها إلى العاهل الكريم أستعطفه فيها الصفح والرحمة في حق سجناء من (السلفية الجهادية) وفي حق غيرهم الذين لم يتورطوا في دم، ولا يعرف عنهم تكفير للمجتمع ودعوة إلى العنف ويقرون بثوابت الأمة بشهادة إدارة السجون والتقارير الأمنية الدورية وبتعهداتهم على الاستقامة... إلخ. فقد جاءت في سياق حلول الشهر الفضيل شهر الرحمة والصفح، وجاءت بين يدي مناسبة عشرين غشت وعيد الفطر السعيد لعلها تقع بين يدي العاهل الكريم ويستجيب ولو كره الاستئصاليون الذين ما أراك إلا واحدا منهم بما صرحت به بعظمة لسانك وليس استنباطا من لحن مقالك.
أما مسألة المؤسسات والمحكمات والقوانين وما إلى ذلك مما ذكرت من ترهاتك التي أردتها أن تكون حائلا دون التجاوب مع فحوى الرسالة، ومانعا من تفعيلها في ضمن الإصلاحات الجبارة التي يعرفها مغربنا الحبيب... فاسمح لي أن أقول لك بأنك تهرف بما لا تعرف.
أولا إن العفو الملكي له أهداف ومرامي شتى. منها ما هو اجتماعي ومنها ما هو إنساني ومنها ما هو خلقي إلخ... وما لا تعرفه هو أن العفو الملكي من أهدافه تصحيح خطأ قضائي. تأتي أنت بجهلك لتسلخ هذا الحق الدستوري للملك (العفو) من كل هذه المعاني الجليلة وتجرده بحماقتك من معنى غاية في النبل وإرجاع الحق إلى نصابه ألا وهو تصحيح خطأ قضائي. فمن هو قليل الأدب مع مقام الملك؟ أنا أم أنت؟ أرأيت أين أوقعك جهلك وجرأتك الرعناء بحشر أنفك فيما ليس لك فيه معض ولا مستمسك؟
إن الملك الكريم هو أول شخص اعترف بالتجاوزات في هذا الملف لجريدة الباييس الإسبانية منذ ست سنوات... وقد ذكرت أنا هذا في رسالتي، ولكن أعماك الحقد والحسد فلم تنتبه إلى هذه النقطة الضخمة في المشهد الحقوقي ببلادنا... ولو كنت سليم السريرة والطوية لقدرت مئات التقارير من مختلف المنظمات الحقوقية في الداخل والخارج والقرارات من مختلف القارات التي ما فتئت تكشف عن الخروقات الصارخة والمحاكمات غير العادلة التي عرفتها بلادنا على خلفية تفجيرات الدار البيضاء الإجرامية. والملك ما فتئ يعمل ويؤكد على ضرورة استقلالية القضاء ونزاهته وإصلاحه. هل تعرف ما معنى إصلاحه؟ إصلاحه من ماذا ياصاحب المؤسسات؟ يافقيه زمانك الذي قد ولى...
تقول لي من أنت حتى تخاطب ملك البلاد وتقترح عليه وووو... أقو لك أنا مواطن مخلص وغيور على بلدي، ذقت طعم الظلم من أمثالك، وقبعت في السجن ما يقرب من ثماني سنوات بسبب تهويلكم من أمري بتقاريركم الصحافية المغرضة وهيأتم الرأي العام لتقبل أحكام غليظة في حق من قلتم فيهم هؤلاء إرهابيون قتلوا أبناءكم في الدار البيضاء وروعوا وكفروا وخربوا.. إلخ. وأعترف لك الآن بأنكم أفلحتم في ذلك مستغلين ذهول الشعب كله أمام هول الإرهاب الذي أصاب بلادنا وأخرجها من الاستثناء المألوف.
وكان ما كان... إلى أن تدخل العاهل الكريم وأفرج عني وعن غيري كثير في ذهول من أمركم وفي موتة بطيئة بغيظكم. وها أنتم لا زلتم تحنون إلى ذلك التحرش الإجرامي، ولو كنت ذكيا لما ركبت هذا المركب الجبان، لأنك لم تستفد من تعاليم الملك الحكيم بخصوص تفجيرات مراكش حيث لم يعد هناك اعتقالات بالجملة وأحكام بآلاف السنين ولا هم يحزنون.
أنت يامحمد الشوبي تهذي خارج التاريخ المعاصر، وتعيش في سبات عميق لا تدري عن الحراك الملكي في الإصلاحات الجبارة شيئا. ولو كنت تدري لدريت كيف يتعامل الملك مع شخص أعلن على رؤوس الأشهاد خلع بيعته للملك من عنقه دون أن تقطع رقبته ودون أن يخسف ببيته وأهله وأجداده. هل عرفت الآن قيمة الملك الذي نقدره قناعة لا تملقا أو تزلفا؟
أنت بقولك بأني أسأت الأدب مع الملك تلعب في الوقت الضائع بعد أن خسرت بدزينة من الأهداف. فاتكم القطار، فاتكم القطار، على حد قول رئيس اليمن البئيس.
وفي قضية تأسيس حزب سياسي وإرادتي (للإرهابين) أن يخرجوا من أجل أن أكون منهم كذا وكذا... فأقول لك إن الناس يحلمون وهم نيام وأنت تحلم يقظانا مفتح العينين... أفق من النوم وانتبه نحن في عهد جديد وفي مغرب جديد ومع ملك يحب التجديد ومشمر عن ساعد الجد على طريق التغيير الشامل بما في ذلك تغيير عقلية النفاق والتزلف الذليل على قاعدة ما عرفه التاريخ يوما حيث يمدح خليفة مبذر من قبل شاعر كذاب ليقول له (الخليفة) بعد سماع قصيدة الزور والبهتان أعطوه ألف دينار.
إنه لا مكان لكم بيننا بهذه العقلية الخنوعة فالملك يرفضكم والشعب يرفضكم والتاريخ يمجكم. أنت يا شوبي جئت بفاسد من القول كنت أغنى عنه، وكنت في حل من أمرك، فوقع لك ما وقع للنملة التي اتخذت جناحين لتطير ولتكون لقمة صائغة للطير في الأجواء العالية بعدما كانت مستورة بين خشاش الأرض. إن مكانك بين خشاش الأرض. ولو عدت إلى شطحاتك التحريضية الجبانة لعلمتك من أين تؤكل الكتف، واعتبر هذا المقال مجرد تحذير سريع لأنك لو عدت إلى فاسد قولك لعلمتك ضرب الأخماس بالأسداس.
وعن مسألة كونك لم تعرف فيما إذا كنت فقيها أو سياسيا أو واعظا أو داعية... أو كذا، فاعلم أني كل ذلك، وما يعنيك الآن من أمري هو أني معلمك.
واعلم أن مقالك يئن تحت أخطائك اللغوية والنحوية والبلاغية وغيرها، لهذا لا بأس أن أعلمك شيئا مما تجهل. وإن شئت في المستقبل أصحح لك كل مقالك، كلمة كلمة، وجملة جملة... على حد تعبير صاحبك الأبله صاحب (زنقة زنقة).
لا تقل أنا (كمغربي) بل قل: من حيث أنا مغربي، لأن كاف التشبيه في هذا المقام خطأ فاحش، فالتشبيه له أربعة أركان:المشبه والمشبه به وأداة التشبيه ووجه الشبه. فما وجه الشبه بينك وبين المغربي حتى قلت أنا (كمغربي)؟ أنت مغربي ولست كمغربي مهما كنت بليدا وغبيا.
وهذا كقولك [وجلالة الملك... كأمير للمؤمنين..] فهل أنت أحمق؟ جلالة الملك هو أمير المؤمنين على رغم أنفك وليس كأمير المؤمنين. وأنصحك باتخاذ معلم يعطيك بعض الدروس الخصوصية في قواعد اللغة والبلاغة قبل التطاول على من يجعلونك تندم على اليوم الذي أخذت فيه قلمك.
وبما أن أخطاءك فوق الحصر والعد أكتفي بهذا المثل لتعرف أنك لست أفضل من براقش. وحق لي أن أذكرك بالمثل العربي (على نفسها جنت براقش). لقد سلطت لسانك على الشيخ النهاري الذي استعلى على الرد عليك فطمعت في الفزازي لعله يفعل طمعا في بعض الشهرة، حسنا هاهم أولاء قد عرفوك كما عرفوا الشيطان من خلال تلاوة القرآن. فأنت تذكرني بذلك الأعرابي الأحمق الذي بال في بئر زمزم فلما قالوا له لماذا فعلت ذلك؟ قال أريد الشهرة. فها أنت دخلتها من باب النذالة والهوان، ولي كامل الشرف في أن أكشف عنك الغبار لتعريتك أمام الناس على حد قول من قال:
سترى إذا انجلى الغبار أتحتك فرس أم حمار
قولك [ ويكفر فريقا من حركة احتجاجية] قول بليد وجبان في نفس الآن. أما وأنه بليد فلأنك لا تفهم بأن فريقا من حركتك الاحتجاجية أعلنت أنها لا دينية وأنها من وكالين رمضان وأنهم يدعون إلى الإفطار العلني... وأنهم مع شرعنة الشذوذ الجنسي... إذا كان هؤلاء عندك مؤمنين أتقياء، فعلى الإيمان والتقوى السلام.
أما وأنه كلام جبان فلأنه سبق لأحد مستشاري الملك أن وصف حركة عشرين فبراير بكونها مكونة من ثلاث طوائف: الملاحدة والعنفيين والخرافيين... وأنا هنا لا أتناول كلام المستشار لتكذيبه أو لتصديقه، هذا شأن آخر، أنا هنا لأقول لك أنت جبان لم تستطع أن تقول للمستشار: لماذا تكفر فريقا من حركة احتجاجية؟ أم ترى الملاحدة عندك موحدين؟
هذا وبالله التوفيق، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.