المنتدى العام للبيئة والصحة بطانطان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى يعني بالمجال البئي والصحي لمدينة طانطان
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  السوق اليومي: الجيل الذي وقعت له الواقعة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
elaalim
Admin



المساهمات : 371
تاريخ التسجيل : 26/05/2011

              السوق اليومي: الجيل الذي وقعت له الواقعة Empty
مُساهمةموضوع: السوق اليومي: الجيل الذي وقعت له الواقعة                 السوق اليومي: الجيل الذي وقعت له الواقعة I_icon_minitimeالأحد أغسطس 07, 2011 10:27 am

الملاحظ في الحقل الإبداعي المغربي أن القصة القصيرة تحتل مكانة مهمة مقارنة مع الرواية مثلا، ويرجع هذا في تقديري إلى قصر مدة الإنتاج والإستهلاك والنشر دون أن يعني ذلك أن كتابة القصة عمل سهل... ويتطلب هذا الوضع تحليلا دقيقا وإنجاز مقارنة بين أعمال جيل الرواد والجيل الرابع (1) من الكتاب الشباب لتحديد مواطن الإلتقاء والإختلاف وتسجيل المتغيرات الحاصلة في المشهد القصصي على مستوى المواضيع والتقنيات السردية الموظفة... ولن يتأتى هذا إلا بعد دراسة أعمال أدباء الجيل الرابع للوقوف على انشغالاتهم والحساسية الإبداعية التي يعبرون عنها. وهذه المقالة عن حراك مساهمة متواضعة في هذا الإتجاه.

و قد كتبت عدة ملاحظات عن "السوق اليومي"* وتركتها على أمل العودة إليها من أجل صياغة شاملة، وقد عدت إليها بمناسبة بث البرنامج الثقافي"رياض الفكر"(2) لأتأمل ما خلصت إليه وهو أن أغلب نصوص المجموعة يخيم عليها البؤس وتُخْتتم بالموت، والغريب أن هناك تشابها كبيرا بين جو اللقاء وجو نصوص حراك، إذ دار اللقاء في جو سوداوي، وكان هناك إجماع على أنه لا أمل في الأفق... فبعد إفلاس الأيديولوجيات وإجهاض أحلام التغيير جاء الخواء والشك واليأس وأصبح الكاتب يستوحي وعيه السعيد، الذي يبرر به تحمل مرارة الحياة ، من كونه كاتبا لا من الدور المفترض في الكتابة كوسيلة للفعل... لقد أصبحت الكتابة مصدر لذة شخصية ليس إلا !

وفي وضع كهذا لم يعد الكاتب ينتظر شيئا حتى من نفسه،لأنه يعي أن الكتابة هنا والآن مغامرة معروفة النتائج، ومع ذلك فهو يغامر مهما كان الثمن، يعرف مسبقا أنه في مجتمع أمي وأن نشر أعماله مشكلة وتوزيعها أعجوبة والحصول على عائد معجزة ، فلم الإستمرار؟ هنا تظهر الإرادة القوية لجيل يعيش القبح واليأس وجودا وكتابة!

انطلاقا من هذه المقدمة التي تضع عمل حراك في سياقه ، يمكن أن نقارب "السوق اليومي" التي تستعرض مشاهد تندلق كنهر ملوث وتحاول القبض على اليومي الذي تحول إلى طاحونة تسحق طزاجة الطفولة والفرح بالغد، وإن بدا أن هذا الغد لن يصل أبدا... وتطالعنا القصة الأولى بباعة السوق: خالتي حليمة تنش الأطفال القذرين وتصرخ "ها الباكور... ها الباكور"ص9 فلنتذوق الستة عشر باكورة التي نشرها حراك على الحبل ونقيس حلاوتها خاصة وأن الباكور قد قل في السنوات الأخيرة وغالبا ما يكون "مضروبا"...

يلتقط الكاتب في هذه القصة مشهدا مالوفا ويدفع به إلى الأمام ليبرز الأشياء التي تعودنا عليها حتى أننا لم نعد نرها:الصراع المرير الذي تدخل فيه مكونات السوق ـ سوق المهمشين لا المتبرجزين ـ للحصول على الرزق (السرقة، الدعارة، العنف...)،ومع ذلك يزعم أحد المُتسوقين أن الإنسان المغربي يمكن أن يعيش "بالباكور" فقط! ص9

لا يوحي جو القصة بهذا، لأن فتاة تستعطف شابا تريده أن يستضيفها لتكرمه ولا يفعل، ولأن سكيرا يطلب باكورتين من خالتي فتنهال بهراوة على رأسه فيسقط مضرجا بدمائه... ويبرز رد فعل الخالة حالتها النفسية، فروحها في أنفها كما يقال.

ويتناول حراك ،استنادا إلى تجربة ذاتية، واقع المعطلين ـ الذين صنفهم مع المهمشين ـ في أربع قصص مستعرضا الخيارات التي تتوفر أمامهم كي يستمروا أحياء:

- الخيارالأول أن يلتحقوا بخدمة تاجر المخدرات الذي قرر خوض الإنتخابات لتنويع مصادر دخله، يريد أن يسير بلدية ويقول"هيه... أنت... أجي هنا... آش خصك؟نعم؟؟ تحفيظ بقعة أرضية؟... يدك على واحد المليون...انت؟ نعم؟ رخصة؟ يدك على واحد الألفين..."ص27-28. وقد قررالتاجر الحاذق الإستعانة بابن خالته المُجاز، و رُوِّع المُتَعَلّم خوفا، لكن المرشح المقبل يعرف أن أبن المدرسة يخاف ظله ص24، فيسارع للتوضيح"أنا أقصد أن توظف ما درست في خدمتي"،

ويبدأ المُتعلم المحتاج الخِدْمة: نصح تاجر المخدرات بالتوقف "مرحليا" عن عمله وارتداء قناع التقوى... وبدأت الحملة بمآدب طعام لا تنتهي في خيام فخمة قرب أكواخ الناخبين إلى أن حل يوم الإقتراع... ولا تسألوا عن النتيجة لأن المرشح يعرف أن أصوات الناخبين المدمنين تكفيه... ولا أنصح المعطلين باتباع هذا الحل، وإن اتبعوه فلهم عذرهم...

- الخيار الثاني هو أن يعطوا شواهدهم للزبال ليحرقها في ساحة عمومية، ويتفرج عليهم الناس متسائلين عن عددهم"ـ إنهم عشرة ، ـ لا لا ...لا...ثلاثون... ـ امساكين شوف كيدايرين"ص37.

- الخيار الثالث هو ملخص واقع الجيل الذي وقعت له الواقعة على الشاطئ الشمالي وهو يتفرج على نفسه، شاب وشابة، يحبها وتحبه، يلتقيان على الشاطئ، جسده معها وعقله خلف البحر، يضاجعها، تقع لها الواقعة، تفقد بكارتها، التعبير الفزيولوجي عن الشرف، يتركها الحبيب، يركض إلى زورق عَـلّه يصل إلى الضفة الأخرى... وتقع له الواقعة في الماء...ص14

- الخيار الرابع، والذي لم نصل إليه بعد وإن كان في الطريق إلينا، وهو أن يقرر المهمش بإرادته، أن يوقع الواقعة بنفسه، أن يقف في الشارع العام ليغرز السكاكين في جسده عله يتلافى نظرات العطف والشفقة من أهله ونظرات الإحتقار والسخرية من الآخرين... ص49

هذا بالنسبة للذين يمتلكون وعيا حقيقيا، أما الذين يمتلكون وعيا مزيفا فإنهم يصَرّفُون الضغط الذي يعانونه بطرق أخرى، فهذه فطومة مبتلاة بسلسلة المسلسلات المدبلجة، وتقارن نفسها بالبطلة" الفاتنة جاكلين"، وتجد أن ما ينقصها هو أن تلبس تنورة (آخر موضة) وأن تذهب مع الحبيب إلى مقهى العشاق... وقد ذهبا وكثر القيل والقال (خصوصية مغربية)، فطلبت من الحبيب أن يترقى إلى خطيب فرفض، وتتساءل ماذا لو طلبت جاكلين نفس الطلب، لا تطلب جاكلين شيئا وينتهي المسلسل ليبدأ آخر... ويلتقط الكاتب هنا إحدى تمظهرات موجة الوعي المزيف الذي تروجه الشاشات حيث يعثر الأبطال السعداء على الخلاص في كل خطوة يخطونها بالشوارع الراقية في حين أن فطومة (الإسم الوطني) لا ولن تعثر على الخلاص في درب عمرها كله فتتحول حياتها إلى غثيان... لكن الغثيان لا يكون أبديا، لأنه سيتطور ـ بشكل طبيعي ـ إلى المرحلة الموالية، وهي التي يشخصها حراك في القصة ما قبل الأخيرة من مجموعته:

قيء...قيء...قيء...

قيء بالأقسام...قيء بالساحة... قيء بالإدارة ... قيء بالمراحيض... الكل يتقيأ... الإداريون يتقيأون... الأساتذة

يتقيأون...التلاميذ يتقيأون... الحراس يتقيأون...أينما وليت وجهك فثمة القيء..."ص67 هذه هي النتيجة الطبيعية لوضع منحرف تسعين درجة، ومع ذلك هناك من يتغابى و يتساءل"ما سبب القيء؟"

" خلف المدرسة مزبلة صغيرة، أمام المستشفى مزبلة كبيرة أمام المزبلة كوخ ... ما سبب القيء؟..."،

الجواب:

"قيء...قيء...قيء..."ص67... ولا بد من الإحتجاج على القيء ، كيف؟! بمزيد من القيء!!

ويتناسل القيء إلى ما لا نهاية... ولا يمكن للوضع الذي شخصه الكتاب الشباب إلا أن يقود إلى القيء لأن باكورنا دموي ولأننا ألفنا الغثيان ولم يعد يؤثر فينا. وهـــــذه هي الأجواء التي يرصدها قلم ـ وريشة ـ من القصدير المغموس في الفقر والذي يخربش على صفحة الهامش (3) و هي ذاتها التي أفزعت فاطمة التواتي وهي تستعرض عناوين مؤلفات الكتاب الشباب المأساوية (4)، ويعزز غلاف "السوق اليومي" هذا المنحى (تمثل اللوحة التي يهيمن عليهاالسواد تحول البشر إلى أشباح هلامية تائهة في الظلام، وهي من وضع فنان شـاب أيضا: حسن عاطفي).

وتعكس المجموعة الأولى لحراك تأثره بكل من شكري و زفزاف، ونجد بصمات هذين على مستويات عدة:الإهتمام باليومي، هاجس الواقعية المفرطة التي تهدف الى عكس الواقع "كما هو"، التركيز على قاع المجتمع، اختيار شخصيات معينة كالمهمشين والمنبوذين ، استخدام الدارجة بكثرة ، تصوير السوق يومي/داخلي، المتح من السيرذاتي... وليس صدفة أن حراك يهدي الكاتبين المشاغبين باكورتين من تينته الأولى.

وختاما لدي ملاحظتين فنيتين: الملاحظة الأولى أن مستوى القصص ليس واحدا.

فهناك قصص فيها بعض الإفتعال في الموقف أو تصميم الحبكة، بمعنى أن الحدث لا يكون نابعا من طبيعة الموقف، بقدر ما يكون ناتجا عن تدخل السارد )موت مصطفى على يد خالتي حليمة في القصة الأولى(، و يتدخل السارد أيضا بتعليقات وشروح"لا أحد يعذر بجهله القانون"ص11 "...الدون كيشوت المعروف بمحاربته للطواحين الهوائية التي يتخيلها أعداء لكرامة الإنسان"ص55 والتعليق من مهام السارد (5)، إلا أنه يؤثر على جمالية القصة وارتباط أجزائها،وهناك قصص قام الكاتب بتقسيمها إلى مقاطع عن طريق وضع نجيمات وهو ما يضعف تلاحمها ويكسر إيقاعها مثل قصة "كان بالإمكان أن يكون"ص45، وقد كان بإمكان القصة أن تكون أفضل لو حافظ السرد على انسيابيته.

الملاحظة الثانية تخص التكثيف الدلالي، أي التركيز على اللحظة مع إعطائها الأبعاد المناسبة وهو ما يغني القصة القصيرة التي تمتاز"بطاقة شعرية مرهفة وقدرة على تقطير التجربة الإنسانية والقبض على جوهر النفس البشرية"(6) وقد قطّر حراك تجربتنا في قصة القيء وقبض على جوهر العقل النسوي العربي الذي يتعرض للإحتلال المكسيكي (قصة جاكلين وفطومة) إلا أن القصص الأخرى لا تتميز بنفس التكثيف الدلالي، وأعتقد أنه كلما كانت القصة اقصر إلا وكانت كثافتها وتماسكها أفضل.

هوامش:

* هشام حراك "السوق اليومي" الهلال للطباعة والنشر الطبعة الأولى 1998.

1ـ لقد استُخدم تعبير "أدب الشباب" منذ الإستقلال، وهو تصنيف زمني لا إبداعي، وإلا لكانت له دلالات تنقيصية، والملاحظ أن هناك خلطا على مستوى الأجيال منذ الإستقلال، لذا أقترح أن نعتبر جيل الستينات هو الأول والسبعينات هو الثاني والثمانينات الثالث و هكذا يكون المقصود بالجيل الرابع هو الكتاب الشباب في التسعينات وإن قلت بصمات حلم الشباب عند هؤلاء مقارنة مع سابقيهم.

2 ـ برنامج "رياض الفكر" 2-11-98- وكان ضمن الحضور: عبد الدين حمروش، حسن الوزاني، عبد العزيز أزغاي، سعيد بوكرامي، هشام حراك، عائشة موقيظ...وقد عكست تدخلات المشاركين خيبة جيلهم...

3 ـ يهدي الكاتب مجموعته إلى كل المنبوذين في الأرض ، ويقول في تقديمه "أنا لا أظنني سوف أحسن الكتابة يوما بريشة من ريش الطاووس ولا بمداد أبيض يدعى حليب الغزالة" وغني عن الإشارة أن هذه المناصات هي بمثابة مدخل لقراءة عمل حراك.

4ـ مثل العناوين التالية: "وردة النار" "ورم التيه" "متاهات الشنق" "البوم" "لا أحد في النافذة" "شاعر في بطن الحوت" وقد أشفق أحدهم على جيله فطلب "هدنة ما".

5 ـ جيرار جينيت " المنظور" في " نظرية السرد"،مؤلف جماعي، ترجمة ناجي مصطفى منشورات الحوار الأكاديمي والجامعي ط1 البيضاء 1989 ص 101. ووظائف السارد هي السرد والتوجيه والتواصل والشهادة و طبعا الوظيفة الأيديولوجية..

6ـ صبري حافظ " الخصائص البنائية للأقصوصة" مجلة "فصول" العدد الرابع 1982 عدد خاص بالقصة القصيرة ص 19.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mazika-20.forumegypt.net
 
السوق اليومي: الجيل الذي وقعت له الواقعة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  لعالم الذي نعيش فيه ليس........
»  محمد الشوبي.. والأعرابي الذي بال في بئر زمزم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى العام للبيئة والصحة بطانطان :: منتدى المواضيع العامة :: منتدى المواضيع العامة-
انتقل الى: