أولا في مفهوم الشعب:
مع بزوغ فجر ما بات يُعرف بالربيع العربي، تردد شعار قوي في مختلف الدول التي عرفت حراكا اجتماعيا غير مسبوق: "الشعب يريد..." والمغرب لم يكن استثناءا من هذا الحراك.فقد خرجت مظاهرات ومسيرات ونظمت اعتصامات في المدن والبوادي بالنهار والليالي، وكان شعارها الأبرز: " الشعب يريد ..." قبل الخوض في ماذا يريد الشعب؟ وهل الشعب فعلا يريد؟ و إن كان لا يريد ، فمَنهُم القائلون بأن الشعب يريد؟ أم أن الشعب يريد فقط... ولا يريد؟ ، أرى أنه من الضروري إنزال لفظة " الشعب " من برجها العاجي المتعالي المقدس لعرضها على قواميس اللغة لفهم كنها وماهيتها ومعناها و مدلولها، وبالتالي فهم تجلياتها و أبعادها و تشكيلاتها وتطبيقاتها على الواقع المغربي.
أعرف أنني سأتلقى نقدا ، ربما لاذعا ، لاِقترابي من تفكيك بنية كلمة " الشعب" للاعتبارات التالية:
1 / الشعب لفظ يرتقي إلى حد القداسة عن البعض و لا يجب التعرض له بالنقد و التصحيح والتمحيص أو حتى مجرد طرح سؤال المعنى والدلالة.
2/ كلمة الشعب تكتسي زخما و حمولة رمزية ومادية عندما تطلق هكذا(أي كل الشعب) دون تفكيك أو تمييز أو حتى تعريف وبالتالي تزود " المناضل " و"المنادي" و " المطالب" باسم الشعب يريد...، بقوة وطاقة ورمزية و "رغبة" كل الشعب حتى و إن كان المتظاهرون مائة شخص و الشعب أزيد من ثلاثين مليونا، مثلا.
3/ استعمال كلمة الشعب تغني مستعملها عن الإفصاح عن هويته و إيديولوجيته هو وبالتالي التواري خلف هذا الجدار السميك المسمى الشعب ( المقدس لدى البعض) وتنفيذ سياسات ومخططات قد لا تمت إلى الشعب بصلة.
4/ كلمة الشعب، لا يستفيد من هالتها و " سلطتها" ، بالمفهوم اللساني، المحتجون و المتظاهرون فحسب، بل تستغلها الدولة و من يدور في فلكها لتبرير سياساتها و تمرير مخططاتها، حتى و إن أدى بعضها لتدمير هذا الشعب نفسه. فما دام الشعب يريد... ومادام مصلحة الشعب تقتضي...، فالنتائج لا تهم حتى و إن كانت كارثية!!!
ترى ما معنى كلمة الشعب؟ و ما هو هذا الشعب الذي " يركبه" كل من أراد أن يبرر سياسة أو إيديولوجية؟ هل الشعب واحد أم متعدد؟ فمما يتكون الشعب إذن؟
جاء في تفسير الآية الكريمة" وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا " :"الشعوب رؤوس القبائل، مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج،
واحدها (شعب) بفتح الشين. سموا به لتشعبهم واجتماعهم كشعب أغصان الشجرة، والشعب من الأضداد، يقال شعبته إذا جمعته...
قال الجوهري: "الشعب ما تشعب من قبائل العرب والعجم، والجمع الشعوب... والشعب القبيلة العظيمة، وهو أبو القبائل الذي ينسبون
إليه، أي يجمعهم ويضمهم. قال ابن عباس: "الشعوب الجمهور مثل مضر، والقبائل الأفخاذ".
ب « الأغلبية من عامة الناس الذين لا يتوفرون على مناصب في السلطة" )the people( و يُعرِّف "قاموس كامبريدج " الشعب
)ب " كل الرجال والنساء و الأطفال الذين يعيشون في دولة معينة ". Peopleو (
يتضح ، من خلال التعاريف المختصرة أعلاه، أن لفظة الشعب تعني الجمهور و عامة الناس و سكان دولة معينة. إذن فالشعب، في نهاية المطاف، يتألف من الناس رجالا و نساء و أطفالا، يشكلون في مجموعهم سكان بلد ما.