إن ترابنا الوطني شاسع و متنوع، و الثروات موزعة بطريقة جد متباينة. و لكن كل منطقة و كل ناحية تتوفر على شيء يميزها، سواء تعلق الأمر بقصور قديمة أو دير أو جبل بأرض خصبة أو منطقة جبلية ... و مدينة الطانطان تجمع فيها مجموعة من المميزات، كالمعطى التاريخي- الثقافي و الجغرافي الذي بلور موسم الشيخ محمد الأغضف أو ما يعرف بموسم "أمــﯕـار".
و من تم سأتطرق في مقالي هذا إلى لمحة تاريخية موجزة عن جذور موسم "أمــﯕـار"، ثم بعد ذلك سأعالج الإكراهات التي تجعل هذا المورد السياحي غير قادر على تحقيق شيء على أرض الطانطان.
* · لـمحة تاريخية:
الكوارث و الاوبئة، أحداث حاسمة في حياة الجماعات و الشعوب، تسم تاريخها، لدرجة أنها تؤرخ بها، فتطلقها على السنة التي شهدتها، كذلك الأمر بالنسبة للرجال الذين لم يدخلوا مزبلة التاريخ، هذا الأخير يحتفظ بسجلهم الذهبي المرصع الذي يحتوي على أدق التفاصيل عن مجدهم ... ما دام الهدف هو التأريخ، حفظ الذاكرة، التفاؤل و التطلع نحو المستقبل ...
عرفت المنطقة وباء الجدري الذي سبب تفاقمه بأسا كبيرا، حيث قضى على عشر ساكنة القبائل الممتدة من الساقية الحمراء إلى وادنون. و من تم استقر محمد الأغضف مع بعض إخوته في واد الذهب.
تميز الشيخ محمد لغضف منذ صغره بذكائه المبكر و معارفه الواسعة و اليقينية سواء في المجال الديني أو علم اللغات أو اللاهوت، أو الإجتهاد القضائي أو علم قواعد اللغة.
و هكذا استمر طالبا للعلم، و محدثا عن حياة النبي صلى الله عليه و سلم و يقول مغتابوه بأنه مجرد مسلم موهوب بصفات مقاتل صلب فالشيخ المأمون هو الإبن الأكبر للشيخ محمد فاضل من أهل الطالب المختار، عاش حوالي 1880 م و في ادرار أثبت جدارته بسرعة كشاعر و مؤلف، درس في مدارس القرويين، و في النصف الثاني من حياته، قام بزيارة مكة و المدينة و القدس و بيروت و دمشق و الإسكندرية في مصر، و قد كان على وفاق مع كل عامل ألماني مكلف بحث القبائل على الثورة ضد الفرنسيين و قد بشر الشيخ بالحرب المقدسة.
و في سنة 1931 اعتبر أول متمرد بالصحراء الغربية، فأثناء استغاثته بجمع حوالي 1400 رجل من مختلف القبائل ليكونون غزيا ضد المحتل، و قد راسل الشيخ زعماء القبائل الموريتانية ليطلب منهم أن يساعدوه في تحقيق مخططاته و ذلك بإعطاء الفرنسيين معلومات خاطئةن و دون إنقطاع في التبشير و لحماية الوحدة و الكفاح ضد الظلم و الاضطهاد قاد محمد الأغظف تمرد الساكنة الصحراوية ضد الاحتلال الإيبيري سنة 1935، و هناك جملة شهيرة لمحمد الأغضف و هي "التقوى الحقيقية التي ترضي الله هي الكفاح من أجل كرامة و حرية الإنسان" و هي تنم عن فكره التقدمي الثوري حسب المؤلف الإيطالي ATTILIO Gaudio .
وقادت القوتان الاستعماريتان، فرنسا و إسبانيا منذ ذلك الحين حملة ضد طموحات الصحراويين، و تعرض الشيخ محمد الأغضف للقصف و المتابع بالطائرات. و في 27 يوليوز 1958 سيستقبل محمد الأغظف بالرباط من طرف الملك الراحل محمد الخامس.
و بالرغم من تقدمه في السن فقد تابع محمد الأغضف القتال، لكن في 17 أكتوبر 1960 و بعد مرض فجائي، انطفأت جمرة محمد الأغضف. فبكى الجميع لفقدانه و إجلالا لروحه، فإن إحياء ذكراه و الإعتراف بجميله يتم كل سنة في الطانطان. و بذلك تحولت طانطان، المدينة التي دفن بها محمد لغضف، إلى مركز جذب و إشعاع ففيها يصبح الرحل متحضرون، فالحب الذي يكنه الصحراويون لمحمد لغضف ليس سخيفا أو مبالغا فيه.
* · الموسم و التنمية أية علاقة؟
بعد أنقطاع 23 سنة، ها هي ذي الروح تنبعث من جديد في موسم الطانطان، بفرسان يتسابقون و يطلقون من على جيادهم عيارات نارية في إنسجام تام، و سباق للجمال و قراءات للقصص و الزغاريد و الموسيقى الأصيلة و الرقص و الألعاب و العلاجات الشعبية بدون أن ننسى المطبخ – الخيمة التي تحضر فيها الولائم المحلية العجيبة ...
فهذا حدث ثقافي و اجتماعي و تجاري بالغ الأهمية و بمبادرة من المستكشف الإسباني كيتين مونيويس – قامت اليونسكو بإحتضان إحياء هذا الموسم في إطار النهوض بالتراث الثقافي الشفوي المجرد، و قد جعل هذ الاعتراف من مناسبة للقاء ثقافي و فضاء لجلب السياح و تشريفا لنمط عيش تقليدي خاص بالرحل. بل أكثر من هذا حضر سفراء للنوايا الحسنة الذي بحث عنهم الطانطان لمدة طويلة، و قد جاء على لسان السيد "كويشيرو ما تسور" المدير العام لليونسكو" "موسم الطانطان يعتبر شهادة حية على الثقافات الشفوية و الفنية الصحراوية. و درس من دروس المعرفة و الإبداع، أمامنا الكثير لكي نتعلمه منه".
و من تم فإن الإعداد الجيد و المنسق لموسم "أمــﯕـار" يعتبر ألية أساسية من آليات تنمية القطاع السياحي، حيث أن أي خلل في فلسفة الإعداد و البرمجة يؤثر على التوازنات و الأولويات بشكل عام، و لن أخوض في هذا المضمار كثيرا.
و الملاحظ في النسختين الأولى و الثانية لموسم طانطان هو غياب إستراتيجية في التسيير، حيث أن هذا الحدث الكبير إقتصر على اليوم الختامي، أما الأيام الأخرى في الموسم فهي فارغة و مملة و روتينية، تشوه التراث و الموروث بجملته علاوة على الفساد و الغموض الذي تخلله. و هذا إن ذل على شيء فإنما يدل على فشل للعامل السابق محمد جلموس في تقديم قراءة صحيحة لموسم طانطان، و هذا ما سيتبين له إذا زار الطانطان الآن، كمواطن ...
و بدون التركيز على السلبيات التي ترنح تحت وطأتها موسم طانطان، باعتبارنا نحلم بغذ أفضل، و نعيش على التفاؤل القائم على العمل الجاد، فإننا نرى نجاح هذا الموسم السياحي الكبير، يمر عبر المراحل الآتية:
I. يجب سحب أو تقليص الإشراف الكلي على موسم "أمــﯕـار" من وزارة الداخلية، ما دام هاجسها الأمن فقط، و تعويضها بالتدخل المباشر "للجمعيات المحلية الحقيقية" بالتنسيق مع وزارة السياحة و الثقافة و المالية و الفلاحة الذين لهم خبرة في المواسم و المهرجانات أكثر من الوزارة الأولى التي ستراقب الوضع الأمني فقط ما دام هو الاختصاص الرفيع لها.
II. تثمين التجربة المحلية كما قال رئيس الجمعية المغربية للتنمية و التضامن و التي نرى فيه إدماج للطاقات الموجودة و ذلك بنفض الغبار عن الفنانين و الشعراء المهمشين بالطانطان بدل إستدعاء أشخاص آخرين من مناطق بعيدة و اعطاء الفرصة للمقاولات و الممولين المحليين.
III. يجب علينا أن نعتمد منهجية الإعلام و التشاور و دفع كل الفاعلين لتحمل المسؤولية و خاصة الجمعيات المحلية فالتنمية في تصورها الإنساني و الحضاري هي التي تسخر أغراضها لخير الإنسان و لخدمة المجتمع.
IV. موسم طانطان هو أكبر تجمع عالمي للرحل لا تجمع للمخربين و تجار الحروب الهيكلية ... حيث أن النسخ السابقة لم تحقق شيء يذكر على أرض الطانطان، و كما قال رئيس المجلس الإقليمي سابقا السيد علي المزليقي:"أن موسم الطانطان ليس ملك قبيلة أو شخص محدد بل موسم للبشرية جمعاء و الباب مفتوح للجميع".
V. وصلنا إلى النسخة السادسة، و لا نعرف بعد ميزانيته، و لم يطرح أحد مبادرة للتقييم، بل أكثر من هذا هناك تضارب و إرتباك في البرنامج، وصفه أحد المهتمين بتراث موسم الطانطان، "بعديم الروح"، خيام فارغة متراصة، قد تموت جوعا فيها، الموسم أصبح كبيرا، نجحنا أمنيا و فشلنا تراثيا، و حتى المشاركين لا يعرفون مع من يتكلمون، من يملك القرار، بسبب كثرة الوسطاء و عديمي الخبرة، مع تطاحن داخلي بين المنظمين، و هكذا يجب ان نعرف ميزانية هذا الموسم و من يستفيد منها، خصوصا أن هذا المحفل العالمي أصبح تحت الرعاية السامية، فالأفكار الصحيحة تنمو بسرعة كبيرة و كذلك ثمارها.
VI. يجب إدراج الأنشطة الرياضية كما كان من قبل و خصوصا كرة القدم، فالرياضة إلى جانب سباق الإبل هما سر نجاح موسم طانطان (القديم) قبل أن يشرف عليها اليونسكو، الأكيد أن طانطان هو خزان الكفاءات و بالتالي يجب إعطاءها الفرصة، على جميع المتدخلين تحمل مسؤولياتهم، لنفخ الروح في هذا الموسم الذي يحمل قيم إنسانية رفيعة لم نلمسها بعد.