إن العالم اليوم أيها الأحباء،

إن العالم اليوم أيها الأحباء، اكتشف مع انطلاق ثورات الربيع العربي المباركة، أن الحل لم يعد يكمن في تحالف الحكومات والشركات وخلق اللوبيات.. بل في تحالف الناس وتضامنهم وتعاونهم ونصرة بعضهم البعض.. إن عالم ما بعد الربيع العربي أيها الأعزاء هو عالم "الانسان".. ومخطأ من يعتقد أن الثورات العربية تصب لمصلحة الاسلامويين أو العلمانيين أو غيرهم من تجار الأختام الأصولية والشعائر التقدمية.. بل هي ثورة الانسان المقموع والمقهور والمحروم والمظلوم من أجل الانسان في كل مكان بغض النظر عن عرقه ومعتقده وأفكاره وقناعاته وتوجهاته...

العالم يتغير أيها السادة، والناس تتغير معه في الغرب.. وفي الشرق والجنوب لا زال الناس لا يقرأون ولا ينتجون فكرا ولا حضارة ولا يتغيرون.. ولا ينظرون إلى أبعد ما تشير إليه أنوفهم... إن من يقبع ساكنا وراء الشجرة لا يستطيع أن يرى الغابة.. فاصعدوا إلى التلال والجبال واهجروا العيش في السفوح والوديان قبل أن يجرفكم التيار فتذهبوا وتذهب ريحكم كأناس عابرين في كلام عابر بتعبير المرحوم محمود درويش...

ويفترض بعد كسب معركة الاستقلالية ووضع اللبنات الأساسية لعمل الحركة، أن تتغير أساليب النظال وتتطور من مرحلة الخرجات الأسبوعية الفلكلورية التي لا تقلق النظام إلى مرحلة الاعتصامات الإنذارية مرورا بالاعتصامات المفتوحة وانتهاء بمرحلة العصيان المدني في حال عدم استجابة النظام لمطالب الحركة، مع تحديد وتوحيد شعارات كل مرحلة على حدة، والابتعاد عن المطالب الخبزية المشروعة مقابل التركيز على حلم التغيير الكبير المتمثل في "الشعب يريد مغربا جديدا"... ولا يهم في ذلك عدد المتظاهرين والمعتصمين لأن القيمة بالنوع لا بالكم والثورة لا تولد إلا من رحم الصبر والاصرار والمعاناة ولا يقودها إلا الأحرار والشرفاء الذي يسترخصون الغالي والنفيس في سبيل المبادئ والقيم التي يؤمنون بها...

وحتى لا نطيل، نقول أنه إذا صلحت النوايا وصدق العزم يستطيع الشباب والمهجر أن يجترح الحلول ويبتدع الأفكار ويصنع المعجزات والمفاجئات ليحول الحركة من موقف رد الفعل على سياسة المخزن إلى المبادرة بالفعل في مواجهة خطط النظام الميكيافيلية، لحرق أوراقه، وافشال تكتيكاته، وفضحه عبر ضرب مصداقيته ومشروعية اصلاحاته الصورية، خاصة لجهة الضغط على النظام في الداخل والعمل على تغيير الرأي العام في الخارج، لإعتقادنا أن نقطة ضعف النظام المخزني المغربي العتيق تكمن تحديدا في الرأي العام الأوروبي الشعبي والرسمي على حد سواء.. ويمكن القول أن الظروف اليوم أصبحت إيجابية جدا وممساعدة بعد صعود الحزب الاشتراكي في فرنسا والحزب الشعبي في إسبانيا وتبلور العديد من المواقف الإيجابية من الحراك الشعبي المغربي على مستوى ساسة وبرلمانيين وفاعلين في المجتمع المدني الأوروبي.. ولا أدل على ذلك من تصويت البرلمان الأوروبي الأخير برفض تجديد اتفاقية الصيد البحري مع المغرب بسبب فساد النظام وتهربه من تقديم حساب أوجه صرف المساعدات التي تلقاها من الاتحاد الأوروبي في مجال التنمية البشرية وإصلاح الادارة والتعليم والقضاء (وفق مقتضيات بنود اتفاقية الشراكة الموقعة بين الطرفية).. ولعل المفاجآت التي ستظهر في القادم من الأيام ستعطي للحركة في الداخل والخارج دماء جديدة ودعما معنويا كبيرا للوقوف في وجه هذا النظام الفاسد المستبد.

لا خوف بعد اليوم أيها الجيل العملاق.. إنها فرصتكم للمساهمة في صنع التاريخ يا شباب بلادي..

واعلموا أن شعبكم شعب كريم وأبي وإن اضطرته شروط الأمية وظروف الفقر والحاجة إلى إعطاء صوته لمن يتاجر بالدين في سوق السياسية.. لقد جرب هذا الشعب لعقود طويلة مضت عهود المخزن، و وعود الأحزاب سواء منها الاشتراكي أو الاستقلالي أو الليبرالي، وحتما سيكتشف قريبا وقريبا جدا زيف شعارات الحزب الاسلاموي المخزني.. وحينها ستنضج ظروف وشروط الثورة القادمة لا محالة ... إذ لا يصح إلا الصحيح وكل ما بني على باطل فهو باطل... فقليل من الصبر وكثير من العقلانية والفعالية والتضحية.