احتفل العالم الاسبوع الماضي بـ "اليوم العالمي لمكافحة التصحر". وعلى رغم الاعتراف بان التصحر ظاهر بيئية يكاد يكون لا مفر منها، إلا ان السؤال الذي لا يمكن تحاشيه هو: هل يجوز فعلا التسليم للطبيعة بقدراتها على فرض هذه الظاهرة. ثم هل يجوز الاستسلام لكل ظاهرة طبيعية أخرى، لمجرد انها "طبيعية" او "لا مفر منها"؟
والحقيقة، فلو كان الحال كذلك، فان البشرية كانت قد انقرضت منذ أمد بعيد. والوجه الآخر لهذه الحقيقة هو ان تاريخ البشرية برمته هو في الواقع تاريخ مقاومة لتلك المتغيرات الطبيعية، والسعي إما لتكييفها لصالح الإنسان او تعديلها أو التكيف معها.
هناك، إذن مقدار من العمل لا مفر منه يتطلب مواجهة الظاهرة الطبيعية. فالمواجهة هي الرد "الأكثر طبيعية" من جانب الإنسان على الظواهر الطبيعية التي تهدد مصيره.
وهذا يعني ان الاستسلام للتصحر ليس قدرا، ولكنه الى حد ما خيار يتخذه المجتمع للتعبير عن استسلامه للجوع والفشل، بل الموت.
التصحر، كما تدل العديد من التجارب الرائدة التي يمكن ملاحظتها في بلدان شتى، ظاهرة طبيعية، نعم، ولكن يمكن وقفها.
وكل ما يتطلبه الامر هو تخطيط جيد للموارد والامكانيات في ظل إدارة حسنة واستعداد اجتماعي للمواجهة.
وعدا عن بلدان تمكنت من وقف زحف الرمال، مثل الامارات العربية المتحدة، فان الطريق ما يزال مفتوحا امام الدول العربية الاخرى للنهوض من اجل مواجهة هذه العلامة المقيتة من علامات الموت.
وفي إطار الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة التصحر، أصدرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة دليلا يحوي سَرداً لمشروعٍ تنفّذه في موريتانيا لتثبيت الكُثبان الرملية والتصدّي بنجاح لزحف الرمال المتواصِل وتوسُّع رُقعة الصحراء.
ويتيح الدليل مُخطّطاً بالغ الفائدة لغيره من المشروعات المشابهة في إفريقيا، في معالجة مشكلة الزحف الصحراوي الذي يحدث بفعل انتقال حبّات الرمال محمولةً بهبوب الرياح ومن ثَم تراكُمها على هيئة كثبانٍ على السواحل، وعلى امتداد مجاري المياه، والأراضي الزراعية، أو المناطق الخضراء غير المزروعة.
وإذ تتحرّك تلك الكُثبان تدفن تحتها القرى، والطرق، والواحات، وقنوات الريّ، والمحاصيل، والسدود مُلحقةً أضراراً اقتصاديةً كبرى مما يُفاقم من أوضاع الفقر وانعدام الأمن الغذائي.
النباتات المحليّة المطلوبة
وصدر الدليل الذي حمل عنوان: "مكافحة زحف الرمال: دروس من موريتانيا"، بدعم مقاطعة "والون" البلجيكية والوزارة الموريتانية للبيئة والتنمية المستدامة، للتعريف بسياق زحف الرمال وآساليب التصدي له والسيطرة عليه، مع التأكيد على تحقيق مشاركة السكّان المحليين في أنشطة مكافحة هذه الظاهرة المعروفة بالتصحّر.
وباختيار النباتات المحليّة المطلوبة وأنواع الأشجار الصالحة ومشاركة السكان المحليّين والسلطات الوطنية، نجح مشروع المنظمة "فاو" فعلياً في تثبيت رقعة 857 هكتاراً من الأراضي المهدّدة في موريتانيا على ضواحي العاصمة نواكشوط وفي المناطق الساحلية الجنوبية باستخدام نحو 400000 نبات خصِّصت لهذا الهدف في مرافق المشاتل العامة.
معركةٌ على جبهتين
وفي رأي الخبيرة نورا بيراهموني، مسؤول الغابات للمناطق القاحلة، لدى المنظمة "فاو" فإن "المعركة ضدّ التصحُّر تدور على جبهتين".
وتتضمّن الجبهة الأولى "الحيلولة دون بدء هذا السياق عملياً في المقام الأوّل من خلال اعتماد الإدارة المستدامة للغابات والأراضي المحلية وغيرها من الموارد الطبيعية الأساسية".
أمّا الجبهة الثانية فتتمثّل في "إصلاح الضرر في مناطق الغابات والواحات أولاً بوقف حركة الرمال وحماية مناطق التربة الهشّة ومن ثم إعادة الزرع".
ومما يذكر أن الدعم لأنشطة إعادة التأهيل والإرشاد لمشروع حزام نواكشوط الأخضر بدأ بمبادرة من قبل صاحب السمو الملكي، الأمير لوران البلجيكي، بتمويل مقداره 1.6 مليون دولار أميركي كمنحة قدمتها مقاطعة "والون" البلجيكية.
واستمر تنفيذ هذه المشروع لمدّة تسع سنوات وقد أشرف على نهايته في عام 2009. وأحرز المشروع الذي يأتي بمثابة ثمرة للتعاون الوثيق بين المنظمة "فاو" وحكومة موريتانيا، نجاحاً ساحقاً حَدا إلى البدء حالياً بتطبيق أنشطته في أجزاء أخرى من موريتانيا.
جدارٌ أخضر عظيم
من المنتظر أن تُحتذىَ الدروس التي سيختَطُها مشروع الجدار الأخضر العظيم أيضاً في حالة عموم إقليم السّهل ودول الساحل والصحراء، كمبادرة سترعاها لجنة الاتّحاد الإفريقي ومجتمع دول الساحل والصحراء (CEN-SAD).
ويستهدّف مشروع الجدار الأخضر العظيم معالجة مشكلات آثار البيئة القاحلة الجدباء، وانخفاض معدل إنتاجية الأراضي، والتصحّر، وتغيُّر المناخ إلى جانب ضمان موارد معيشة مُستدامة في الصحارى وإقليم السهل ودول الساحل والصحراء التي تغلب على أراضيها مناطق جافة.
والمُعتزم أن يتضمّن المشروع تحقيق إدارة مستدامة للموارد وإعادة تأهيل الغابات الهشّة، وتثبيت الكثبان الرملية، والنهوض بإدارة الواحات والأراضي الصالحة للرعي على امتداد العديد من بلدان إقليم السهل ودول الساحل والصحراء، بدءاً من الساحل الأطلنطي ووصولاً إلى المحيط الهندي.
وبالتعاون مع الاتّحاد الإفريقي، بادرت المنظمة "فاو" بإطلاق مشروع موازٍ بقيمة 460000 دولار أميركي للشروع بتطبيق أنشطة مشروع الجدار الأخضر العظيم في موريتانيا، لدى خمسة بلدان مختارة في إقليم السهل هي تشاد، وجيبوتي، وإثيوبيا، ومالي، والنيجر. ويعتزم الاتحاد الأوروبي تقديم منحة بمقدار 1.4 مليون يورو أيضاً لتطبيق المبادرة في ثمانية بُلدان أخرى عبر مناطق القارة الإفريقية.
ومن شأن الدروس المستقاة من هذا المشروع أن تخدم أيضاً أنشطة "البرنامج المُستَجَد المشترك بين الأقاليم لتخفيف الفقر ومكافحة التصحّر من خلال الإدارة التعاونية لمُستجمعات المياه"، الذي أطلقته المنظمة "فاو" لتوّها في حزيران-يونيو 2010 لدى كُلٍ من موريتانيا، والمغرب، وإكوادور بتمويلٍ من إسبانيا.