لقد أثلجت الرسالة الملكية التي بعث بها محمد السادس إلى
المناظرة الوطنية حــــــــول الرياضة صدور المواطنين الدين ينشدون
تغييرا حقيقيا آملين أن تسري رسائل ملكــية أخرى تشمل كافة القطاعات
الأخرى بغرض التزام المؤسسات
الدستورية تدبير الشأن العام بكل مصداقية و شفافية .. في وقـــــت لا
زالت الفئات الأكثر فــــقرا ببلادنا ــــ و التي يستفيد النزر القليل
منها من صندوق محمـد الخامس للتضامن فقــــط خلال شـــهر رمضان فيما
تحرم شرائح واسعة من الفقراء و المحرومين و المحتاجين المغاربة من
الاستفادة منه ـــ تنتظر انفراجا لوضعها الذي يستفحل تأزمه يوما عن
يوم ، ليس فقط عند اندلاع الأزمة المالية التـي عصفت باقتصاديات أغلب
دول المعمور ، و إنما منـــذ فترة ليست باليســــــيرة أطلق عليها
المفكر عابد الجابري غرفة الانتظار و وصفها الراحل الحسن الثاني
بالسكـتة القلبية .. و كلما ظهـر بصيص أمل يلوح في الأفق إلا أن
العتمة سرعان ما تنسـدل فـيأفل ذلك النور في آخر النفق لأن المخزن
أصبح ضد الإرادة الملكية و لا ينفــذ أوامر المـلك بالرغم من أن محمد
السادس عقــب جلوسه عـلى سـدة الحـكم أعطى نفسا جديــــدا
للمشهــــــــــد الســيـــاسي و الاجتماعي و ظهرت ملامح التغــــيير
بإرساء دعائــم المفــــهــوم الجديـــد للسلــطة و قـــد خطـى خطوة
الألـــف مــيـل الأولى بديــمقــراطية مغربـية كانـت مؤشـرا لتـوجه
ملك أراد طي صفـحـــــــــــــة الماضي و فتــــــــح
جادة جديدة على مصراعيها لتفريغ ما كبــتته النفوس قرابة نصــف قرن لتشرق
شمـــس الحرية و كرامة الإنسان بتأسيســه لهيئة الإنصاف و المصالحة
لتشكيل لبنة أساسية و خطوة هامة في ميثاق حقوق الإنسان و لم تمكن فقط
الضحايا مـــــــــــن الإفصاح علانية أمام الرأي العام عما تعرضوا له ،
بل إقرار مبدأ التعويض عما لحـق بالناس من أذى خلال ما ســمــــي
بسنوات الرصاص و عدم العودة إلى ماضي الانتهاكات الجسيمة التي مست
حقوق الإنسـان و حينما قيـــــــل للملك أن ذلـــك يقلل من هيبة الدولة
أجاب بحكمة بأن هيبة الدولة تأتي من احترام القانون و كرامة الإنسان و
ليس مــــــن السلطان و الاستبداد .. و يبدو أن الملـك الشاب أعاد
الربيع بـعد جـفاف طال أمده فعادت معه العزة و الكرامة للشعب
المغربــــــي و قـد استطاع محمد السـادس تحصين المجتمع من الاستبداد
فـــذاق هذا الشعب الـذي اكتوى بسياط المفسدين، نوعـا مــــن المناعة و
نشــر ثقافة حقوق الإنسان.. لأن هذا الرجل الحكيم متشبث بسيرة جده
المصطفى لأن من صميم ما جـــاء به خيـر البشرية الحرية و كرامة الإنسان
بحيث يقول مبعوث العناية الإلهـية و ما بعثت إلا لأتمم مكارم الأخلاق
.. لكــن هنــــــاك قـــوى اجتماعية و سياسية تضع العصا في دواليب
المسلسل الديمـقراطي لــم يرقها تحصيـن الأنفــس و تغيـير ثقافـة الــذل
التـــي ركبت عقولها مضادة للحرية و الديمقراطية و حاجبة لآفاق التنمية..
و قد اعتـبر العالم أجمع مبادرة صاحب الجلالة الفريدة من نوعها في
وقتنا الراهن في عالمنا العربي تعد إقلاعا قويا فـي محاربة المفسدين و
متابعة لصوص المـال العام بحيث كشـفت الرسالة الملكية الموجهة للمناظرة
الوطنية حـول الرياضة عـن الواقع الـذي يعـتري الرياضة المغربيــــــة
عن الارتزاق و التبذير و سوء التدبير و هي رسالة يمكنهـا أن تنطبق
عـلـى كافـة القـــطاعات و كذا الحيـــــــاة السياسيـة و الاقتصادية و
الاجتماعية و على الشأن العام برمته لأن صاحب الجلالة مـن خلال ما جاء
في مضمون خطاب رسالتــه للرياضة أن يواكبه تطبيق على أرضية الميدان في
إشارة إلى المؤسسات أن تقوم بتنفيذ الأوامر الملكية و إلا فــما الجدوى
مــــن وجود حكومة و برلمـان .. و قد أعطى محمد السادس آمالا كبيرة للشعب
المغربي و هو يجوب البلاد طولا و عرضـا عــبر رحلات مكوكية بغرض تنمية
البلاد.. ساعـيا بمجهوداته انتشال المغرب من براثن المفــسديـــن و
الأوضاع الحرجة التي انحسر فيها و المسلــك الوعـر الذي يـمر منـه في
الـعديد مـن القضـايا و الملفـات و على رأسـها قضـية الوحـــــــدة
الترابية بإعطاء مشروع الحكم الذاتي بصحرائنا و تفعـيل الجهـوية و
تعميق مفهومها في أفق ترجمتها الفعلية على باقـي الأقالـيم الأخرى
مستقبلا علاوة على محاربة الفقر و تمكين الشريحة المسحوقة من حقها في
الشغل و العيش الكريـــــم ..
و مما لا شك فيه أن الجهوية التي أعلن عنها جلالة الملك في الذكرى 33
للمسيرة الخضراء تعد إصلاحا هيكليا عميقــــــــا وورشا واعدا يروم ترسيخ
الحكامة المحلية الجيدة لتعزيز القرب من المواطن و تفعيل التنمية الجهوية
المندمجـــة اقتصاديا،
اجتماعيا و ثقافيا ..
و حينما نمعن النظر في مجمل السلوكيات و الممارسات في المعيش
اليومي ، نرى أن هناك سمات انحدار تسير بنا إلى الهاوية ،خاصة الطبقة
المسحوقة الـــــتي تتخبط في الفـقــــر المدقع و أوضاع دراماتيكية
.. و بدلا مــــن أن تتحسن الأوضاع ، أصبح الحال يســــــير عكس ما
يتصور الجميع إلى انحسار أصبحنا نحس تداعياته يوما بعد يوم في كل مناحي
الحياة ، نكوص معيشي خطير بدا جليا للمهتمـــين و استشعره الشــــعـب
المغربي عينه منذ زمن ليــــس بالقصير.. فعلى سبيل المثـــال لا الحصر
الكوارث الطبيعية الأخــيرة مـــن فيضــانات طوفانــية في مختلــف
مناطق البلاد أدت إلــــــــى خسائر بشــرية و مادية تعومل معــها
باستخفاف لا مســـــؤول و منطــــق عدمي و ترك الحبل عــلى الغارب ..
لولا تدخل العاهل المـــــفدى لإنقاذ ما يمكن إنـــقاذه لحدثت مآسي
بليــغة علاوة علـــــــى الغلاء الفاحش ، التراجع الخطير فـــــــــــي
ميادـين التعليم الصحة ، الرياضة و غيرها من القطاعات الأخرى .. كان
آخـــر تدخــــــــل للملك رسالته للمناظرة الوطنية حول الرياضة التي
ستبقى و وثيقة مرجعية و تاريخية رمى من خلالها جلالته بحجرة لتحريك
المياه الراكدة..و قــــد كشفت عـــــن الوضعية الكارثية التي كـــان على
مسؤولي هذا القطـــاع فـــــــي نظرنا لتــمنوا أن تبتلعــهم الأرض
بـــعد كـــــــل الـــــــــذي وقع خــير من البــقاء على كراسي
المــسؤولية يأمـــل الشعـــب المــــــغربي انــتظار قرارات ملكية
مماثلـــة للكــشـــف عما يعتري الواقع المغربي من تردي معيــشي مزري
كـــــان مــــــن الممكن أخــــذ ذلك الإنذار الملكي محمل الجد و مغادرة
مواقع المسؤولية و تركها لـــمن لهـــم حس وطني .. أما إذا بقيــت دار
لقمـان علـــــــــــــى حالها فستضل الأوضاع على ما هــي عليه كما يرى
الجميع لأن قواعد اللعـــبة السياسية تقـف على أساس هـــــش .. فإن مــن
يحرســون قضايا الأمة ذئــاب لا يهـمهم سو ى مصالحهم الذاتية .. فمشروع
الملك محمد السادس لتنمية الموارد البشرية يشــهـــــــــد تعـــثرات
وصـفـــــــــــــت بالكارثية .. إن التغـــيير الــذي يريده
الشــــــــــعب المغربي و ملكه رهـــين بالصرامة في العـــمل من أجل
ضمـــــــان المستقبل و ذلك بالشعور الوطني و الإحساس بالمســـؤولية و
الحرص على تدبير شـــؤن المواطنـين .. و ينتظر الشعب المغربي تغيير في
الثقافة السياســــية الـــــــــــتي ســـــــــادت أغلـــب جوانب
المشــهــد السياسي الوطني في العقــديــــــــــــــن الأخيرين و التي
اتسمت بالتسيب الإداري و استغلال المال الحرام ، الرشــــــــوة ،
المحسوبية و الزبونية ، و بالرغـــــــــــــم من إعلان صاحب الجلالة
للعهد الجديد ، ما فتئت سياســــة الفساد مستشريــة و يبدو أن محمد
السادس لا زالت تضنيـــه صعوبة التغيير و إذا لم تتوفر إرادة سياسية
شاملــــــــة لمواجهــــة الفســــاد و المفسدين بمعاقبتــــهم
كالذي حدث لعامــــل الدار البيضاء العفــورة و تجار المحذرات مـــــن
شخصيات نافـــذة في السلـطة كإيــزو و محاسبة الكثير ممــن تورطوا فــي
ملفات فســاد ، أغضبت الملك و الشعــب المغربي كــان آخــرهــــا قضية
كولونيل بالدرك بشرق البلاد ، حــتى يبقـــى عـبرة لــمن يعتبر لا
معاقــبة فاضحــي الفسـاد الناهين عـــــــن المنكر كالجلطي و الزعيـــم
و أبو علي و أديـــب و( الصحفـــيان : محــمد فــالي و رمضان
بنسعدون ) و غيرهم كــثيـــر.. و قد صرح أحـــــد خــدام الأعتاب
الشـــــــريفة : وزير الداخلية الحالي بأن التوجه الـذي أختــــــاره
المغرب صعــــب و ملــــــــــيء بالألغام و بالـــتالي ثـــــمة
العديد من الشبكات و الأطراف الغير المتفــقة مع هذا التوجه العام ربما
لأنـــــه يمس مصالحها ، و نعلــــم علـم اليقين أن هنــاك جيوبا مقاومة
لهذا التوجه الذي تمضي فـــــيه مملكة محمد السادس ، هــذا ليس كلاما
أطلقه علـــــــــى عواهنه .. لكن كــل هذه المحاولات لن تغــــــــــير
مــــــن هذا المسار و الإرادة التي اختارها صاحب الجلالة يتعلــــــق
الأمــر بمسلسل يجب أن ندافع عنه كلنا..
لقد أصبح التشبث بالموقع و الكرسي حتى الرمق الأخير سمة هذا العصر و
لكنه فـي قاموس الأوفياء و المخلصين يكون نسيا منسيا و ما أنذرهم في هذا
الزمان .. فعلى مدار 11 عاما مــــن اعتلائه الحكم ، غضب محمد السادس في
وجه العديد من المسؤولين حتى المقربين مـــن القصر على أوضاع لــــــم
ترقه و لم يستحسنها ، مؤكدا فـي أكثر من خطاب أن أي إصلاح يكمن فــي
ترسيخ الثقة و المصداقية و التحلي بالأمل و الاجتهاد في العمل من أجل
استشراف التوجهات المستقبلية و الانشغال العميــق بإيجاد أنجــع السبل
لتجسيد إرادة راسخة فــي توفــير العيش الكريم للـفــئات المحرومة
مـــن الشعب المغربي.. و قــد فهـــم صاحب الجلالة خلال هذه المدة
الإطار العام و سيــاق تطور الأمور ، فقام بإجراءات جريئة ، تبين بجلاء
العقلانية التي يعتمدها فـــي تدبير أمور الحكم .. و يرى مهتمـــون أنــه
بإمكان محمد السادس الذهاب بعيدا في قيادة المغرب إلى مصاف الدول
الديمقراطية و العادلة ، إذ يمتــلك القدرة و الإرادة لتحقــيق هذا
المبتغى .. و يــردف هؤلاء إذا ما وجه تنبيها صارما لـلكف عــن الكيل
بمكيالين بخصوص عدة قضايا و التخلص مـن المفسدين الذين يقفون حجر عثرة
أمام خطوات النهج الديمقراطي .. و قد اتسعت آمال نهاية هــذا الترقب
الشعبي حينما أتيحت أكثر من فرصة للتخلص مـــن رؤوس الفساد .. و التي
باركها الشعب المغربي عندما تمت محاسبة بعض المتورطين في ملفات أزكمت
الأنوف .. لقد أكــد
محمد السادس بأنه مصمما العزم على مواصلة مسيرة التطور و النماء لفائدة
كل فئات شعبه و إقامة دولة الحــق و القانون و صيانة حقوق الإنسان و
الحريات الفردية و الجماعية و صون الأمن و ترسيخ الاستقرار للجميع في
أكثر مـــن خطاب .. و هذا كافيا للتأشير على أن جلالة الملك حث على
النهوض بحقوق الإنسان في أبعادها السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و
الثقافيــة و ترسيخها تربـــية و ممارسة وفــق منهجية واضحة المعالم ،
جلية الأهداف محورها الإنسان وضمان كرامته و تحقيق رفاهيته و صون حقوقه
كما هي متعارف عليها عالميا.. و إذا كان الحق في التنمية ، حـــق
مـــــــن حقوق الإنسان غير قابل للتصرف ، كبند ضمن بنود الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان و قد أعطى الرابط الذي يربــــــــــط هــــذه الأخيرة
بالتنمية بعدا إنسانيا جعل منها غاية في النبل ، فإن مبادرة محمد السادس
لتنمية الموارد البشرية جسدت هــــــــــــذا المبـــدأ
على أرض الواقع ، مرتكزا للفعالية السياسية و الاقتصادية و ذلك بالعمل و
الاجتهاد و تمكين كل المواطنين مـــن الاستثمار الأمثل لمؤهلاتهم و
قدراتهم .. لكن بعض جيوب الممانعة يضعون الحواجز أمام عجلة
التنميـــــــة ، لسلك شريعة الغــاب و الاصطياد في المياه العكرة ..
لذلك يتوخى الشعب المغربي رسائل ملكية أخرى تشمل كافة القطاعات و تضع
اليد علــــى مكامن الأدواء حتى ينعم المواطنون بحقوقهم و ينتفعوا بثروات
البلاد