الخيل باركة و لحمير كتزعرط
الحديث عن الذوق الموسيقي بمختلف ألوانه و أطيافه من الكلاسيكي الى الغربي مرورا بموسيقى الشباب أو ما يعرف عند بعض الأذان بمسميات ( هيب و راب و ريب .... ) و أسماء أخرى يصعب في بعض الاحيان نطقها، يبقى الخوض و الحديث عن هذه الكائنات الموسيقية الجديدة من المحظورات و أي انتقاد لبعضها مرفوض ، بدعوى أن الأذواق لا تناقش.و اي مس بالمقدس الفني قد يدفع بك الى خانة التطرف و الرجعية لذا فما عليك سوى أن تطلق ابتسامتك العريضة كما يفعل بعض مسؤولينا حينما يسئلون عن بعض الألوان الموسيقية. فيجيبون بالقول " الأذواق لا تناقش " ويستطردون " و أي لون جديد فهو إضافة نوعية تساهم في إثراء التراث الفني المغربي"، و التراث بريء براءة عباس الفاسي من ازمة النجاة( إن صدق).و هذا يعطي انطباع أن مسؤولينا يلازمهم شبح البطاقة الانتخابية حتى و هم يسمعون اغاني يخجل المرء أن " يدندن " بموسيقاها أو يردد كلماتها التي اراها في اعتقادي الشخصي تدخل في نواقض الوضوء. أما ذوي الرموز الانتخابية فيخشون في العلن قول الحقيقة و "كيديرو الخاطر لكلشي" مخافة أن تحجب الحناجر الفنية و مريدها أصواتهم الانتخابية سيما و أنها أصبحت شحيحة في زمن باتت المقاطعة هي الأغنية النشاز في أذن السياسي و ما دونها " سمن و عسل " .أما في سرهم و بعيدا عن الأعين " اسيدي يكولو حتى غدا العيد المهم يصوتوا علينا ". لدرجة أن احد نواب الأمة تحسب له سابقة " فنية – رياضية " بدخول الشيخات لأول مرة دار الشباب حمان الفطواكي ، و لك أن تتخيل الرسالة الرياضية مغلفة بـ " موزون الشيخات" و يتقادفها " فيبرور البطون".المهم لديه في العملية برمتها الحضور المكثف تحت شعار " لمغاربة تجمعهم الغيطة و تفرقهم الزرواطة ". و حرصا على سلامة مسامع قرائنا ارتأيت الاستدلال ببعض الكلمات الاخف و طأة على مسامعكم أو باللازمة الشعبية " حاشاكم" ، فبالله عليك عزيزي القارئ كيف السبيل الى اغناء الثرات الفني المغربي باغنية مطلعها "كارويا شاعل شكون يطفيه و ليلا نحوصو).و المثير هو ان بعض اهل البلاغة و الفصاحة المواليين للرموز الحزبية يسحرونك بأقوالهم و تحليلاتهم التي تنطوي حيلها للأسف على البعض، فاذا أرادوا جعل مثل هذه الأغاني تدخل بيوتنا من اوسع الابواب و من ثمة خلق تطبيع سمعي بصري فقد يوهموك بأن الفنان صاحب الأغنية يساهم من موقعه في محاربة التدخين (كارويا شاعل شكون يطفيه) و اكثر من هذا قد يستضيفونه في اليوم العالمي لمحاربة التدخين كعلم من الاعلام الفنية و سفير النوايا الحسنة. أما من قال ( الغربة و الكاس و نبات نخمم نجي لبلادي نحوص اه ...اه...) فستجده مدخل كل صيف على أبواب و مداخل المملكة يستقبل المغاربة المقيمين بالخارج مادام كلامه يحث على (التحواص) اي ان وزارة السياحة ستستفيد من أغانيه لترويج المنتوج السياحي المغربي و الذي يعتمد بالأساس على الحركة اللولبية لبطون الراقصات.
هذا بالنسبة للاغاني التي نسمع أو بالأحرى نميز مخارج حروفها و تبقى الطامة الكبرى تلك الاغاني المشفرة او ربما مكتوبة باللغة السومرية و أي محاولة لفك رموزها مألها الفشل و يبقى الشيء الوحيد المميز لهذه الأغاني هو أن بإمكانها أن تذهب عنك الإحساس بالجوع لكثرة ( تكراع) الفنان الملهم فبين " همزه و غمزه " و هو يلقي الأغنية على مسامعنا يصيح بأعلى صوته "اعععععع".و الغريب أن هذه الصيحات تلقى تجوبا منقطع النظير في أوساط نوع جديد من المستمعين لا ادري أي مدرسة تلقوا فيها المبادئ الأولى لتهذيب الدوق الموسيقي.أما الطقوس المصاحبة من ألبسة و تسريحات الشعر فحدث و لا حرج لدرجة يصعب عليك التمييز بين الصنفين و أي لبس قد يقع لك بين " سمحلي اختي او اخويا" فهو دلالة لديهم أن مشروع عولمة الأجساد في الطريق الصحيح.
مؤسسات المجتمع المدني و تماشيا مع الموضة خصصت في أجندتها حيزا مهما لهذه الكائنات الجديدة و بدأت تطالب بأنصافها و مد يد العون لها من خلال الضغط بقوة البطاقة الانتخابية على المسؤولين الذين بدورهم لا يتوانون في عمل المستحيل في سبيل الحفاظ على الكرسي من الزوال ، و أي تعنت أو محاولة للتملص - ممن لازالت أدانهم لم تصم بعد من موسيقى الضجيج المنظم -،فسيجد نفسه محاصرا بعشرات الجمعيات التي تنموا في وقتنا الراهن كالفطريات أسمائها مشتقة من صنف العمل أي " جمعية خربش خربش للموسيقى و حماية المبوق لي ما مسوق".تتهمه هذه الأخيرة بتضييق الخناق على الحرية الفنية لصالح جهة معينة و قد تتناسل الأفكار و التخمينات و تتعالى الأصوات منادية بالضرب على أيدي أعداء حرية الإبداع و الخلق.مع المطالبة بترك باب الفن مفتوحا على مصراعيه بقدر فتحة فساتين الفنانات و أن يكون للمسؤولين سعة الصدر بقدر رحابة صدور بعض المغنيات التي تتربع على مشاعر الفرد منا و تشل الحس الفني لديه، بالتيه و راء جغرافية جسدها غير آبه هل تغني أو تتأوه من مغص الأمعاء.
التلفزة المغربية حبيبة الجماهير ، لم تعد قادرة على استيعاب العدد الهائل من الطاقات النووية الفنية و بات من الضروري إحداث محطات تلفزية جديدة تخفف الضغط على قناتنا الأولى لتستعيد همتها و نشاطها في مزاولة مهمتها الأولى و الأساسية و هي إدارة " السويقة ديال الإشهار".
المحطات الجديدة نتمنى أن تأخذ بعين الاعتبار خصوصية الأغاني المقدمة و توفير لها الدعم اللوجيستيكي المتمثل في بناء مستودع كبير للألبسة فالموجة الفنية الجديدة تقدم سهراتها بألبسة لا يتعدى وزنها 200 غرام و لك عزيزي القارئ واسع النظر في حياكة الأقمشة حسب أهمية و وزن كل عضو في الجسم.مع التذكير أن الأحذية معفاة من الميزان.
المجال الفني بالمغرب شأنه شأن باقي المجالات تحكمه ضوابط من خارج الوسط وتتحكم في مساره آليات معقدة همها أن نظهر في عيون المجتمع الدولي بمظهر يليق بشعرات المرحلة من تحديث و إنتاج و إعادة الإنتاج و كل تلك سياسات التقويم التي طالت مناحي الحياة العامة و النتيجة " رصيد منتوجكم الفني لا يسمح بالمنافسة" في ظل واقع اقتصادي و اجتماعي بدأ يسترخص كل القيم و يتمرد على التقاليد المغربية الأصيلة التي ترفض بالبت و المطلق أن تمرغ الذوق الموسيقي في وحل الرذيلة و الكلام الساقط المصحوب بحركات مكانها الطبيعي السرير و ليست شاشات التلفزة و أمواج الإذاعة.