منذ العقد التسعين و حركية الحركة الأمازيغية تعرف تطورا على مستوى خطاباتها وتعدد الوسائل المستعملة في التأثير على الدولة .فرغم أنها تواجه عدة عراقيل من لدن السلطات المحلية من خلال الموارد المالية التي تجعل أنشطتها وأهدافها محدودة،فإن حركية الحركة الأمازيغية تستمر في تنظيمها و"نضالها "بمختلف أساليب عمل جماعات الضغط المعروفة في أدبيات العلوم السياسية.فإن هذه العلاقة الجدلية بين التأثير(الدولة) والتأثر(حركية الحركة الأمازيغية)لا يمكن الجزم فيها إلا بعد استعراض أهم الأطروحات التي تناولت طبيعة النظام السياسي المغربي وتنميط هذه العلاقة. وذلك على النحو التالي:
- أطروحة الصراع الطبقي:التي كانت تنظر إلى الدولة كمسيطر على الحياة السياسية وأبرز من يمثل هذا الطرح"الاختيار الثوري" للمهدي بن بركة.
- أطروحة الاستبداد:تنظر إلى الدولة على أنها تستند إلى مقومات ثقافية تمارس في شكل طقوس تكرس في ذاكرة المحكوم علاقات انطلوجية مبنية على الخضوع وإعادة إنتاج السلطوية بمفهومها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي.يمثل هذا الطرح عبد الله الحمودي من خلال كتابه"الشيخ والمريد"
- أطروحة الانقسامية: ينظلق من تصور أن النظام السياسي المغربي كبنية تقوم على وجود تعددية من الفاعلين السياسيين يشكلون تحالفات مؤقتة ومتقلبة هذه التعددية تتسم بغياب فاعل سياسي رئيسي قادر على إلغاء منافسيه.هذه البنية سوف تساهم في استمرار النظام السياسي دون أن تلحق تغييرات في أسس البنيوية هذا الطرح يمثله "جون واتر بوري"في كتابه"أمير المؤمنيين،الملكية والنخبة السياسية".
إن هذه الأطروحات تنظر إلى الدولة وهي ثابتة ومسيطرة لا تتفاعل مع باقي الفاعلين.لذا تبقى هذه الأطروحات تقليدية لاتواكب تطور الدولة.على عكس الأطروحات الحديثة التي اعتبر فيها أوكيست كونط أن الدولة في حالة دينامية تتفاعل مع باقي الفاعليين الرسمين وغير الرسمين.
وعلى هذا السبيل،فهل الدولة المغربية تعرف دينامية مع المجتمع (حركية الحركة الأمازيغية )؟وماهي طبيعة هذه الدينامية؟وهل يمكن أن نفهم من خلالها تطور حركية الحركة الأمازيغية على الدولة؟أي حركية الحركة الأمازيغية تقوة بمختلف آلياتها على الدولة أم العكس ؟
إذا كانت معظم الدراسات الأكاديمية تناولت علاقة الدولة(اليعقوبية) بالمجتمع في العقود الآفلة ،فإن هذه الدراسات لم تستطيع إلى حد الآن تناول علاقة المجتمع بالدولة خصوصا في العقد الأخير من الدينامية التي يعرفها المجتمع وما نتج عنه من التحولات .
ونتيجة لهذا نطرح الإشكالية المراد الإجابة عنها في هذا المقال حول تحديد آليات تأثير حركية الحركة الأمازيغية على الدولة وتقديم وسائل عمل هذه الحركة.
وانطلاقا من أهمية هذا المقال فإننا نفترض الفرضيات الآتية:
فالأولى من فرضياتنا أن حركية الحركة الأمازيغية تؤثر على الدولة .والثانية تعكس هذا التأثير .لذا فإن هذا المقال سيجيب على أي الفرضيات التي يمكن من خلاله قياس درجة التأثير بين الحركة والدولة.
إن الأمازيغ لهم عادات وتقاليد موروثة عن حضارتهم،الكل مشتاق إلى إحياء تراثه مما فيه الثقافي.ذلك على سبيل المثال لا الحصر:تناول وجبة "ؤركيمن" وتفشي "أوزول" في مابينهم.وعند تحليل مضامين بعض الخطابات والبيانات والسكيتشات والأغاني والشعارات في بعض المناسبات الذي يجتمع فيها الأمازيغ.تتضح الرؤى وتنكش الصورة عن وجود نمطيين من الاحتجاج.
النمط الأول: يتعلق باحتجاج داخلي أي مابين حركية الحركة الأمازيغية.
النمط الثاني:هو الذي يهمنا أي الاحتجاج الخارجي فهذا النمط اكتسى أهمية من خلال تعدد آليات عمل حركية الحركة الأمازيغية مثلا:عرض بعض المسرحيات بأسماء أمازيغية(تيليلا،سيفاو..)وأغاني ("ميدين أوركين والو هربحن كولشي""اتشيخ أراو اينو بش ادافعخ فتمازيرتينو""اذدون غر جبال أذعلون مكجران".ثم من خلال الإعلام ،الخروج إلى الفضاء العمومي الذي ينجر عنه الإضراب الذي يتحول بدوره إلى اعتصام.
فإن محتوى هذه الأنشطة لها أثر على الدولة من خلال الدعوة إلى ترسيخ الثقافة الأمازيغية،ورفض منهجية أجهزة الدولة للاعتراف بالأسماء الأمازيغية...هذا يتولد عنه أثر بوجود كيان آخر ينمو في أحشاء الدولة.ويبحث باستمرار عن آليات تمرير خطاباتها بشتى الوسائل وذلك من خلال عمل وتزايد الجمعيات الأمازيغية.وهذا التزايد كان له أثر ايجابي في مختلف مراحل تطورها،وفي نفس الوقت سلبي لعدم تحقق بعض أهدافها.وذلك وفق الملاحظتين الآتيتين:
الملاحظة الأولى:أن المراحل التي قطعتها الحركة الأمازيغية منذ 1965 إلى حدود الآن،مواقف متطورة ،خطابات والمطالبة بالاعتراف الرسمي بالأمازيغية.أسفر عنه الاحتكاك بالدولة،وهذا الاحتكاك اتخذ اتجاهين:
الاتجاه الأول:ينتهي باستقطاب رموز الحركة الأمازيغية وإدماجهم في تسيير دواليب الدولة ، هذا الاتجاه يجعل الحركة تتأثر حيال الدولة.
الاتجاه الثاني:يتم إقصاء الفاعل الأمازيغي اثر المبادئ ...أي عدم الاندماج في اللعبة السياسية ويكون خارج دواليب الدولة،هذا الاتجاه ينتهي بالفاعل التهميش أو الاعتقال...
الملاحظة الثانية:أن تزايد عدد الجمعيات الأمازيغية لا تعكس صورة ايجابية حول نشر الوعي بالحقوق الثقافية للأمازيغ.مما جعل الجمعيات مجرد صالونات للنخبة وأنها تعكس صورة للرقي الاجتماعي لمراكمة الرأسمال الرمزي والوصول إلى دوائر المركز.
فإذا كانت الملاحظتين تعكس الصورة الحقيقية لحركية الحركة الأمازيغية .فإن الأمر ليس كذلك،فإن الملاحظة الأخيرة جسدت قمة الحركة من خلال التأثير على القرار السياسي بعدة وسائل لوجستيكية كان من ضمنها رفع المذكرات إلى الجهات الرسمية وإصدار البيانات والجرائد الأمازيغية كواجهة جديدة للاحتجاج والتظاهر والاعتصام.
وترتيبا على هذا شكلت هذه الوسائل آليات الضغط على الدولة والتأثير عليها .حيث أصبحت الدولة في هذا الاتجاه تقوم بعدة مشاريع تنموية للمناطق التي كانت معزولة ومهمشة بشكل رسمي.مما جعل تعدد الجمعيات تكتسي أهمية في الدفاع عن الثقافة الأمازيغية والتنمية في كل المجالات الحيوية.بيد أن بعض الجمعيات تعاني من الاستمرار ومواكبة أنشطتها. وذلك لضعف مواردها المالية أو حرمانها من التمويل العمومي.
أن معظم الجمعيات الأمازيغية لاتحصل على على الموارد المالية،حتى التي تحصل عليها فإن أنشطتها يتم توجيهها ومواكبتها من لدن الجهة المانحة. لذا،فإن معظم الجمعيات تلتجأ إلى المنظمات الأجنبية.وتستعمل أساليب مختلفة للحصول على التمويل.
فهذا الاتجاه الذي تقوم به الدولة (الجماعات المحلية)أمام الجمعيات الأمازيغية ،يستنتج منه أن الدولة تنهج هذه الطريقة من عدم التمويل في تطويق عمل وأنشطة الحركة .أم أن الدولة دخلت مرحلة أخرى من الانتقال والمصالحة مع المجتمع والاعتراف بالأمازيغية .أم أن النخب المحلية لم تصل بعد إلى درجة الوعي بميكانيزمات الانتقال والتغيرات الميكروسياسية التي قامت بها الدولة في الآونة الأخيرة .
فعلا أن نقص الموارد المالية يؤدي إلى ضعف الأنشطة وأهداف الجمعية.غير أن هذه الجمعيات تلتجئ إلى أساليب للدفاع عن كيفية الحصول على الموارد المالية من خلال إصدار بيانات والالتجاء إلى الاحتجاج....وفي نفس الاتجاه نجد المنتدى الأمازيغي الذي لم يحصل على التمويل من لدن الجهات المسؤولة منذ التأسيس .دفع المنتدى القيام بندوة صحفية ويوم دراسي حول إشكالية تسيير وتدبير الأموال العامة،ووقفة احتجاجية . وبيان فاتح ماي 2009.في إدانته للإقصاء والتميز الذي تعامل به المجلس البلدي لمدينة الخميسات مع ملفات دعم أنشطة المنتدى....ونتيجة هذه الوسائل (بيانات،أيام دراسية،احتجاجات...)حصل المنتدى الأمازيغي خلال هذه السنة 2010،على تمويل من لدن المجلس البلدي.وذلك بعد وقت طويل من "النضال"والاحتجاج.بيد أن المنتدى الأمازيغي رفض هذا الدعم نتيجة هزالة مقداره مقارنة مع باقي الجمعيات غير الأمازيغية .
هكذا نرى أن بعض الجمعيا ت الأمازيغية اعتمدت أساليب جماعات الضغط ،المعروفة في أدبيات العلوم السياسية.ذلك من خلال (التنظيم،المشاركة،التهديد،الإضراب،النشر والترويج)للتأثير على أجهزة الدولة. وهذا ماتجه إليه المنتدى الأمازيغي بالخميسات.
وفقا لهذا اعتمد بعض الفاعلين الجمعويين دوي الصلة بالقضية الأمازيغية ،عدة مبادرات وأحداث كانت لها عدة نتائج عل الواقع ومنها:اعتقالات الرشيدية في فاتح ماي 1994 إلى توتر وتصعيد وتيرة النضال الجمعوي الأمازيغي.مما نتج عنه الخطاب الملكي الذي ألقاه الملك الحسن الثاني يوم 20 غشت 1994 الذي كان أول خطاب ملكي يتناول موضوع الأمازيغية باستعمال كلمة "اللهجات"وإدماجها في التعليم الابتدائي،وفي السنة الموالية رفعت الجمعيات الأمازيغية مذكرة إلى القصر الملكي في 22 يونيو 1996 تقترح فيها الصيغة التي ينبغي أن ينص بها الدستور على اللغة الأمازيغية كلغة رسمية ووطنية.ثم بيان محمد شفيق ،والقرار الذي أصدرته الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان من مؤتمرها المنعقد بالدار البيضاء مابين 10و12 يناير 2001.بالإجماع لفائدة الأمازيغية ينص على ضرورة الاعتراف الدستوري بها وإدراجها في التعليم والإعلام وكافة مرافق الدولة.كما قامت الجمعيات في اجتماع 21 ابريل 2001 بالإعلان عن"تاوادا tawada " المسيرة الوطنية لدعم المطالب الأمازيغية وكان عدد الجمعيات قد قارب المائة جمعية أنذاك المتواجدة في مختلف مناطق المغرب،كما تقوى التيار الطلابي الأمازيغي بالجامعة .وفي فاتح يوليوز 2003 رفعت مذكرة إلى الملك محمد السادس تتضمن الأسماء التي تم منعها والتي رفعت بصددها دعاوي في المحاكم،وكانت الاستجابة الملكية سريعة،حيث تم تشكيل لجنة وزارية قامت بالبت في موضوع الأسماء المعنية وبالاتصالات الضرورية لتسجيلها. بعد ماكان ضباط الحالة المدينة يمتنعون عن قبول الأسماء الأمازيغية مبررا بوجود قانون يقر بالمنع . هكذا تم أول حكم في هذا الموضوع الذي صدر عن المحكمة الإدارية بمدينة مكناس ضد وزارة الداخلية بتاريخ 5 فبراير 2009، اسم "سيفاو"حيث اختار الأب ادريس بولجاوي رفع دعواه ضد الدولة بالمحكمة الإدارية التي طعنت في القانون الذي يعتمد بعض ضباط الحالة المدنية للإمتناع عن تسجيل الأسماء الأمازيغية.
وفي نهاية التوضيح أقول أن الفرضية الأولى لامست صحتها من خلال استعراض مجموعة من الأسانيد والحجج التي استعملتهاحركية الحركة الأمازيغية للتأثير على الدولة.مقابل هذا التأثير عملت هذه الأخيرة على تحقيق مجموعة من المكاسب ،ابتداء من خطاب 17 أكتوبر 2000 أجدير الذي شكل لحظة تاريخية للفاعل الأمازيغي.وتوالت عنه - إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ؛وتدريس الأمازيغية في التعليم الابتدائي؛السماح بإنشاء الجمعيات الأمازيغية؛الجرائد الأمازيغية؛ استقبال المغرب للكونغرس العالمي الأمازيغي المنعقد بمدينة مكناس سنة 2008؛بت القناة الأمازيغية بشكل رسمي يوم 6 يناير 2010.كما ينبغي أيضا أن يلاحظ أن هناك تفاعل بين الطرفين بين الحركة الأمازيغية والدولة .رغم أن المطالبة بالتغيير جاءت من خارج النظام السياسي (حركية الحركة الأمازيغية).أو مايسميه أوكيست كونط بالنظرية الدينامية على عكس النظريات التقليدية التي ترتكز على أن الدولة هي المسيطرة.(السلطوية).