تبتديء قصة مسعود هكذا، " شيخ عجوز يثير انتباهه صراخ رضيع في مكان مهجور، يسرع فوق حماره إلى مكان الصوت، فيعثر على الرضيع لكن أثناء ذلك يدوس حماره على قدم الطفل الصغير، ليكون الشيخ المنقد للطفل هو السبب الرئيسي في عاهته" وتبتدئ بذلك حكاية "مسعود" ،التي انطلقت بولادة عسيرة، مع عاهة دائمة ستلازمه طيلة حياته.
وجه التشابه الذي يوجد بين حكاية كرتنا والحكاية أعلاه، هو عملية تكرار الولادات التي تلازم الأولى نظرا لكثرة الاخفاقاتها التي تصاحبها،و في ظل تواصل عمليات الهدم والبناء بسبب غياب استقرار تفرضه نتائج إيجابية مستمرة، تنطلق صرخات ولادتها من جديد بعد كل عملية هدم لأن المخاض دائما مايكون عسيرا. لتجد فارسا أو مجموعة من الفرسان يقدمون أنفسهم على أنهم المنقدون المنتظرون، هذه المرة لايأتون فوق حمير كالشيخ العجوز، وإنما فوق أحصنة منمقة تظهرهم للذي لايقرأ بين سطورها على أنهم بالفعل من سيقلب دوران عقارب ساعة الكرة، وإرجاعها لمنحاها الصحيح، ويتناسى هؤلاء أن حسن النية، ومعرفة الداء لاتمكن بالضرورة مشخصه من إيجاد الدواء المناسب لعلاج أمراض الكرة.
يكمل "مسعود" حياته بعاهة مستديمة ويتسبب بدون قصد في حرق منزل العجوز الذي آواه متسببا في قتله، ويكمل في نفس الوقت "المنقدون" مهامهم الإنقاذية متسببين في اضطرابات أخرى لكرة قدمنا الوطنيه، بسبب عدم قدرتهم على إيجاد حلول مناسبة دائمة وبعيدة المدى للمشاكل المطروحة، فتنقلب عليهم وضعيتهم وتحرقهم الكرة بدورها وتطير رؤوسهم بعد كل إخفاق، وكأن لسان حالها يقول النية الحسنة في غياب العمل الناجع، لا تسمن ولاتغني من جوع...اذهبوا غير مأسوف عليكم كما ذهب أسلافكم.
كرة القدم ليست في حاجة للمال فقط، وإنماهي في حاجة لمن يفهم أنها تعاني من عاهة مستديمة ولدت معها (وتولد معها بعد كل مخاض)، وهي غياب بعد النظر عن تسيير هذا القطاع، وهي ظاهرة تعتبر صحية في ظل التسيير العشوائي والهاوي الذي تعاني منه، كما أن تواجد بعض الأشخاص الذين لاعلاقة لهم بها في مراكز القرار التي تتحكم في مصيرها يزيد الطين بلة. فمخطئ اليوم من يعتقد أن الكرة المغربية ناضجة وتحتاج لرتوشات صغيرة لتصبح أفضل، لأن هذه الرؤية الضيقة للوضعية الراهنة هي التي تجعل من هب ودب يلبس جلباب "السوبرمان" ويقدم نفسه على أنه "مهدي زمانه المنتظر". كما أنه واهم من يقيس تحسن مستواها بإنجازات قليلة في سنة أو سنتين في غياب استمراريتها, فالإستتناء هنا يؤكد القاعدة.
مدرسة الحياة والواقع وانكشاف الحقيقة
ينطلق مسعود بعاهته ومشاكله ليواصل دربه في مدرسة الحياة، وفي عدم تواجد من يسانده ،يدعمه ،يقدم له النصح ويتفهم عاهته والمشاكل النفسية المترتبه عنها، في ظل غياب شخص قادر على ذلك وبما أن الكون لايقبل الفراغ، يتخد الفتى التعيس مجموعة من القرارات المتتالية التي تؤدي به إلى "الهاوية" ، وتقربه في كل لحظة من "الإنحراف"، معتقدا في قرارة نفسه أن مايقوم به هو الصواب، وفي صالحه.
تنطلق كرتنا بدورها في نفس الطريق، بعاهاتها ومشاكلها التي تولد في كل مرة معها، تمشي كالعرجاء في سباق للسرعة، وكيف للمريض أن يسابق الأصحاء ؟ في غياب حل عميق وجذري يشفي كسورها، ويذهب علتها تصطدم بالواقع المر حينما تدخل إحدى المنافسات القوية، لتستيقض من حلمها الذي كانت تحسب نفسها فيه الأفضل والأقوى، وتجد نفسها في مدرسة الحياة والواقع الذي لايعترف بالكلام أو حسن النوايا، وإنما بالجاهزية والعمل الناجع، تجر أذيال خيبتها بعد كل خروج مدل من استحقاقات قارية، وتتحسر قائلة :"لماذا خدعت ؟ هل أعطيت أكثر من قيمتي ؟ لماذا كذبوا علي ؟
تجيبها الماما أفريكا على لسان أدغالها قائلة:"اليوم، البقاء للأقوى وليس للذي كان في أحد الأيام قويا، لامكان بيننا لمن يعيش على أمجاده دون أن يصنع له مستقبلا"
وفي كل مرة وعوض أن يتعلم "المنقذون" من أخطائهم وأخطاء من سبقوهم، ليصلحوا مايمكن إصلاحه، يصيبهم "الزهايمر الكروي"، فينسون مايجب عليهم فعله، ويلجؤون إلى حلول سريعة وترقيعية لإسكات أفواه الصحافة والجمهور، فيهدمون ماهو صالح، ليعيدوا بناء ماكان موجودا بديكورات جديدة، مستمرين في ارتكاب نفس أخطائهم الطبية في حق ضحيتهم الوحيدة "كرة القدم المغربية" التي يحكم عليها دائما أن تولد معاقة.
هل ينطبق مصير مسعود على واقع الكرة المغربية ومصير الأسود؟
كلنا نعرف مصير مسعود في هذه القصة وكيف تنتهي بموته متجمدا في أحد الشاحنات، بسبب رغبته في الهجرة إلى الخارج بأي وسيلة كانت، هذه الرغبة تتشاركها كرة القدم المغربية مع المسمى قيد حياته "مسعود"، فالوصول إلى العالمية، وأن نكون الأفضل يدفعنا إلى البحث عن أسرع الحلول والوسائل لتحقيق ذلك، دون إعطاء هذا المشروع مايستحق من وقت وجهد لتحقيقه، ودون تفكير في الوسيلة التي نختارها وتقييم مدى نجاعتها وفهم كيفية تأثيرها في حالة الإخفاق. هذا مايجعلنا نعيش في حلقة مفرغة من القرارات المتسرعة التي تحمل في ظاهرها صفات الحل المثالي، لكنها تخبئ في ثناياها ارتجالية خادعة، ومحاولة لدر الرماد في العيون، من أجل القيام بتخدير مؤقت، نستيقض دائما منه، لنكتشف أننا لم نكن مخدوعين فقط، وإنما ضيعنا من عمر تطور كرتنا سنين أخرى ستعيدنا للوراء.
هل تموت كرة القدم، كما مات مسعود ?
موت الكرة المغربية لايعني اختفاءها من الوجود، لكن الوفاة تعني للكرة ابتعادها عن التتويج لمدة كبيرة من الزمن، يجب أن لانغفل أن الفوز بلقب أو لقبين لمدة سنة أو سنتين متتاليتين، لايدل بالضرورة على تحسن كرة القدم في بلد ما، في الحالة المغربية يجب فهمها على أنها نتاج عمل متواصل لبعض من الأطر المغربية التي حصدت ألقابا، قامت بالزراعة لها منذ عدة سنوات، وليست نتيجة نظرة وخطة وطنية للنهوض بهذا القطاع، وتطوير منتوج بطولته.
حينما تتنافس عدة فرق من البطولة الوطنية على الألقاب القارية، وتصل لمراحل متقدمة منها بصفة شبه دائمة، وحينما يحترف أبرز لاعبي البطولة في دوريات أوربية محترفة، وحينما يستطيع اللاعب المحلي فرض نفسه على المحترف داخل صفوف المنتخب فنيا، بدنيا وتقنيا، آنذاك يمكن التحدث على أن هناك مؤشرات حقيقية تدل على تحسن مستوى كرتنا، مقارنة بالأخرين وليس بأنفسنا، أما الآن وفي غياب استمرارية النتائج، فشخصيا أعتقد أن كرتنا تعاني من نفس أعراض "مسعود" قبل موته، فهل سينطبق مصير مسعود على واقع الكرة المغربيه، أما أن "المنقذين" سيغيرون كتابة سيناريوا الحكاية... الخبر الجيد هنا هو أنه عكس مصير مسعود، فلا أحد يعرف مصير الكرة المغربية (ماعدا قارئة فنجان غيريتس التي نبأته بالفوز بكأس افريقيا)، وبالتالي فنحن قادرون على تغييره إلى الأحسن... ويبقى السؤال الصعب هو كيف ؟