" يرى القذاة في عين أخيه ، ولا يرى الجذع في عينه "
كل عين باصرة ترى القذاة ودقائق التهريب بالزويرات ، ولا ترى كبائر التهريب وأمراءه المنتشرين بمدن الصحراء و غيرها ، تعد عينا عوراء .
ذاك العوَر السالب لسلامة الرؤية أصاب عين الراصد المترصد لعُوار توزيع المساعدات الإنسانية بمخيمات تندوف التي يهرب بعضها إلى بلاد شنقيط ، إذ أن معدي البرنامج الذين قدموا دليل إدانة بالصوت والصورة للمتورطين في سرقة تلك المساعدات والمنتفعين من ريع بيعها من الأثرياء بلا سبب مشروع ، فاتَهم وهم يشُدُون الرحال إلى موريتانيا أن ينظروا عند أقدامهم قبل أن تطأ الطائرة المتجهة صوب بلاد شنقيط ، ففي المغرب ما يغني عن سؤال صغار تجار موريتانيا ، إذ في جنوبه كما في شرقه وشماله بٌغية كل ذي مرصاد يرقب و يستفسر عن الظواهر التي تنمو وتتوالد في الخفاء ، وتنتشر وتفشو بعيدا عن مقص الرقيب أو على غفلة أو تغافل منه . و قد لا تستغرب إذا شاهدت برنامج 45 دقيقة يفضح بعض المستور و يتحرى الدقة في رصد كل سلعة شاردة أو واردة من المخيمات ، ويترك الحبل على الغارب ، ولا ينبس ببنت شفة في شأن المحروقات و المواد المهربة بمدن الصحراء ، فذاك الغسيل المنشور بعضُه في قصاصات أنباء بعض الصحف ، لا يراد كشفه على الملإ ، لأن ما خفي ربما كان أعظم ، ورب أرنب أجاشت أو أثارت خنزيرا بريا ! ، و ما استترَ من قاد الجمَل ! .
لا أحد ينكر أن التغاضي عن دخول المواد المهربة الى السوق ينعش القدرة الشرائية المتدنية لدى السواد الأعظم من الطبقات الضعيفة والمتوسطة ، ولكن لا أحد يتجاسر على القول إن منع التهريب سيؤدي إلى ركود اقتصادي ، فالمستفيدون الحقيقيون من التهريب هم الطبقة الطفيلية التي كونت ثروتها من امتصاص جهود العاملين و عائدات السلع المهربة التي تدر أرباحا خيالية صافية خالصة من الرسوم والواجبات الجمركية والجبائية .وإذا علمنا ذلك ، لن نستغرب إذا رأينا بعضهم يشيد قصور إرَم ذات العماد ، ويتباهى بقوة امبراطوريته المالية على رؤوس الأشهاد ، وقد سئل أحدهم يوما عن مصادر ثروته وعن بيع الرمال المتحركة ، فأجاب بوثوق : التجارة شطارة ! .
ولننتظر ماذا ستفعل لمواجهة " الشطار "الحكومةُ المتوعدة للمفسدين ، ومنهم كبار المهربين المخربين، بمساءلات أمام القضاء ؟ . و قد صرح الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني أنه في مُكنتهم ومقدورهم تحريك مسطرة المتابعة القضائية في حق من أثبتت تقارير المجلس الأعلى للحسابات تورطهم في قضايا فساد وسوء تدبير وتسيير مالي وإداري ، فهل تصدقه الأيام القادمة أم تكذبه ؟. الجواب في ظهر الغيب ، وقد قال الخيام :
اليوم لي وغدٌ في ظهر الغيب وقد يخيب الظن في المقبل
لا تخطئ عين المراقب الرسالة السياسية التي أبلغها بعين الكاميرا الخفية والعلنية برنامج 45 دقيقة عن التهريب عبر الحدود الموريتانية ، وقد أفلح معدوا البرنامج في نعت الظاهرة بالتهريب العابر للحدود الجزائرية الموريتانية ، ونحن نأمل أن يمتلكوا الجرأة لاستكمال أبعاد الصورة ، فيتصدوا بالمرصاد لكشف التهريب العابر لبعض مدن الشمال والجنوب ، ويتتبعوا كل سارب مُهرب بالليل والنهار يجوب التراب الوطني في غفلة أو تغافل من عين الرقيب ! ، حتى أضحى خيارنا في الصحراء كخيارهم في المخيمات إذا نهبوا ! .
ورب سائل يسأل : هل أزفت ساعة قطع دابر التهريب والفساد ،فيجيبه آخر : أما وقد كشفتم عورة تهريب الأغذية ، ماذا أعددتم لنا من بديل عن الدقيق والأرز والزيت المهرب ؟، فليس المهم أن تسأل : متى الساعة ؟ ، بل المهم أن تحدث نفسك : وماذا أعددت لها ؟.