الطنطان مسكين بأهله : برجاله ونساءه وأطفاله وشبابه، مسكين ببنيته التحتية: بشوارعه و أزقته و بناياته، مسكين بخدماته: الصحية و الإدارية و التعليمية...لكنه في المقابل عفريت بأجهزته البوليسية القمعية التي لا تنفك في كل مناسبة عن إظهار سطوتها على البشر و الحجر. و شراستها في التعامل مع كل من يسبح ضد التيار الذي ترتضيه لإهل و أبناء الإقليم، تيار الخنوع و الإستعباد و”شوف و سكت”، و المطالبة بالحقوق و الإحتجاج على الظلم و الفساد و لو بشكل سلمي جريمة عظمى تستحق عليها المحاكمة البوليسية في ثوان بإسم القانون !!!وإنزال العقاب بشكل فوري عبر الضرب و الرفس و الشتم على أيدي الكلاب البوليسية.
لقد كان يوم الأحد 8يناير، مناسبة لتأكيد القاعدة السائدة"الطنطان المسكين في قبضة البوليس العفريت"، بشكل يقطع مع أي إمكانية لحلحلتها و تغييرها، في ظل المتغيرات الدولية "الربيع العربي" و ما خلفه من قلب لميزان القوى بين الشعوب و الأجهزة البوليسية، و ما راج من حديث عن كسر الأولى لحاجز الخوف من وحشية و همجية الثانية، و المتغير الثاني وطني متمثل في الدستور المغربي الجديد و ما نص عليه من حقوق مدنية و سياسية للمواطن و على رأسها حق التظاهر و التعبير عن أراءه بحرية، و وصول حزب المصباح للسلطة كحزب عانا من ويلات تلك الأجهزة البوليسية، و بالتالي إمكانية لجم جماحها، غير أن إسناد حقيبة الداخلية للأمين العام لحزب الحركة الشعبية محمد العنصر، و هو أحد رجالات المخزن كما حزبه، دليل على أن دار لقمان- دار الداخلية- ستبقى على حالها، وهو ما لا نتمناه بشكل أكيد غير أن التمني شيء و الواقع شيء أخر.
بالعودة إلى يوم 8يناير، يوم التدخل السافر في حق المعطلين الذين رفضوا إجتياز مباراة التوظيف، محتجين على الشبهات بل و الخرقات البينة التي لطالما إرتبطت بمسلسل عمليات التوظيف بالإقليم، ناهيك عن العدد الهزيل المتبارى حوله"مركزين" لحملة الإجازة. و مما لا شك فيه أن هذه العملية لن تكون إستثناء ضمن ما سبقها، حيث الزبونية و المحسوبية و الرشوة، معيار أوحد و وحيد للضفر بهما، في ظل غياب ضمانات حقيقية على نزاهة العملية و شفافيتها، بشكل يوحي القطع مع الماضي. غير أن عملة الفساد تستمر في التداول داخل الإقليم بشكل علني و بين، بشكل يوحي بأن عملية التوظيف الأخيرة لن تكون إلا الوجه الأخر لعملة الفساد بالإقليم التي إكتمل وجهها الأول إبان الإنتخابات التشريعية الأخيرة.
فبعدما رفض المعطلون إجتياز الإختبار المشبوه و عمدوا إلى التجمهر في إطار شكل نضالي سلمي ناقشوا خلاله واقع عمليات التوظيف بالإقليم و العملية الحالية قرروا المقاطعة، بالطبع بإستثناء قلة قليلة، حيث لا تخلوا بحور الشعوب من الزبد، لكنه سرعان ما يذهب جفاء، و أما ماينفع الناس فيمكث في الارض بإذن الله تعالى. لم تتأخر الأجهزة البوليسية حيث عمدت إلى إخراج المعطلين من إعدادية المسيرة الخضراء، المكان المقرر لإجراء المباراة، و كردة فعل على هذا الأمر حاول المعطلون تنظيم مسيرة إحتجاجية، سرعان ما أجهضت بعد ثوان من بداية رفع الشعارات، فتفرق الجمع يمنا و يسارا في مشهد مدمي للقلب محبط للأمل، بالرغم من أنه لم تحدث إصابات.لماذا؟؟؟
كنت إلى زمن قريب أعتقد بأن الطنطان مسكين بكل مكوناته المدنية بإستثناء الشباب المعطل الحامل للشهادات، و أن إجتماعهم في مكان واحد و توحدهم على قضية واحدة، كفيل بقلب أو على الأقل زعزعة ثبات و ستاتيكية تلك القاعدة الجامدة، غير أن أحداث الأحد كانت محبطة للأمال المعقودة على "فئة المعطلين". بعدما علمت بأنه سيجتمع حوالي 500 معطل على الأقل في إعدادية المسيرة الخضراء، و بالتالي مكان واحد، ولا شك أن هدفهم واحد هو التشغيل، إستبشرت خيرا، و طرحت على نفسي فرضيتين: إما أن الأجهزة البوليسية المسيطرة على المدينة بلغت من الغباء حدوده القصوى لتتكفل بجمع هذا العدد الكبير من المعطلين حاملي الإجازة، و هو ما كان يستحيل جمع سدسه بمجهود المعطلين أنفسهم، و أما الفرضية الثانية فهي أن القوى البوليسية لا ترجوا لهم قائمة، بشكل يجعلها تقدم على هذا الامر. بعد وصولي إلى مدخل إعدادية المسيرة الخضراء هالني التواجد الكثيف للأجهزة البوليسية بمختلف أصنافها و ألوانها، وهو ما يضحد حتى الأن الفرضية الثانية البالغة التشائم، و مقاطعة المعطلين للمباراة زاد من تفاؤلي، غير أن الشكل الذي فر به المعطلون بعد التدخل البوليسي ـ فرار فرار مهين، لايصدق عليه سوى المثل الحساني القائل "ما كط حبى و منين حبى طاح فالزرب ـ يؤكد أن قاعدة"الطنطان المسكين في قبضة البوليس العفريت" سائرة المفعول إلى أجل غير مسمى.