يعيش المغاربة حاليا مع أواخر السنة الجارية على إيقاعات الانتظارية. يتنازعهم شعور يتأرجح بين الكآبة تارة والأمل تارة أخرى. وبما أن المغاربة أيقنوا بأن السياسة
فقدت في العقد الماضي كل معانيها، لأنها لم تفض سوى إلى الانتهازية، فإنهم لا يعلقون آمالا عريضة على ما يصطلح عليه بـ«الطبقة السياسية المغربية». لكنهم لم يفقدوا، مع ذلك، الأمل في رؤية الأشياء تتغير يوما ما.
ويبدو أن المغاربة ينهجون في الوقت الراهن استراتيجية «انتظر ثم انظر ما سيحدث». ولا ينم هذا السلوك عن لامبالاة أو نوع من العداء، ولكنه منهج يقوم على الاستعداد للتغيير دون بناء آمال كبيرة على وقوع هذا التغيير. وقد طبع هذا النوع من الغموض المشهد السياسي المغربي منذ فجر الاستقلال. فكم مرة تم الإعلان عن تغييرات هائلة، وصفت أحيانا بالتاريخية؟ وكم مرة تمخض الجبل فولد فأرة؟ تعود آخر مرة إلى عهد حكومة التناوب التوافقي، حيث خلفت تلك الحكومة غصة في حلق المواطنين، دون أن نخوض أكثر في خبايا هذه التجربة الحكومية.
وبما أن المغاربة واعون تمام الوعي بأن التاريخ يخضع في نهاية المطاف لإرادة الشعب، فإنهم لا يريدون التسليم بمنطق الأمر الواقع. لا يزالون مقتنعين بأن الحرية والحداثة ستصبحان ذات يوم واقعا ملموسا في هذه البلاد.
يحتاج المغاربة في الوقت الراهن إلى رجل دولة (أو حكومة) يخرجهم من دائرة الشك ويجمع كلمتهم على مشروع يدفع بهم دفعا نحو المستقبل. حكومة قادرة على استنهاض الهمم وخلق بيئة سياسية جديدة عمادها الثقة التي لا يمكن أن ينجح أي إصلاح بدون توفرها. وإذا كانت كبرى مشاكل المغرب حاليا تكتسي طابعا سياسيا واجتماعيا، فإن هذا الأمر يبرز الحاجة إلى رجل أو فريق عمل مؤهل لمعالجة هذه المشاكل، لأن إصلاح أي مجتمع يتطلب كذلك توفر شروط سياسية في الدولة نفسها، وينبغي بالضرورة أن تتوفر هذه الشروط في الحكومة المقبلة.
وحدها إصلاحات صارمة يمكن أن تهدئ العواصف الاجتماعية التي تلوح في الأفق. ويجب ألا نكرر نفس الخطأ الذي ارتكبناه في مناسبات سالفة: الاكتفاء بالإعلان عن الإصلاحات دون تنزيلها على أرض الواقع، لأن من شأن ذلك أن يزيد من حدة احتقان الأوضاع ويذكي الصراعات، وهذه قضية إرادة أولا، ثم قدرة على اتخاذ القرارات المناسبة ثانيا.
لا يتمنى المغاربة في غالبيتهم، بمن فيهم أولئك الذين لم يدلوا بأصواتهم في الانتخابات الأخيرة، أن تفشل حكومة بنكيران، ويجب أن يعرف هذا الأخير كيف يستغل هذا المعطى. يلزمه إرساء دعائم التحالفات التي يراها ضرورية لتنزيل مشروعه السياسي، ولا يمكن لأي تقنوقراطي أن يقوم بهذا الأمر بدلا منه. فالإصلاح لا يعدو أن يكونا تأقلما مع الواقع. ومن لا يتأقلم مع الواقع يموت. وكل من يرفض التطور ويدعي القدرة على تجميد الوضع سينتهي به الأمر إلى إثارة قوى يفقد السيطرة عليها، فتبتلعه. إذ يمكن للوعود التي أغرت الناخبين بالتصويت على حزب العدالة والتنمية الذي يرفع شعار محاربة الظلم الاجتماعي ومناهضة الفساد أن تنقلب إلى سلاح ضد هذا الحزب إذا لم تجد طريقها نحو التطبيق.
ويجب كذلك عدم إغفال الجيل الجديد، الذي تعتبر حركة 20 فبراير أحد تعبيراته الأساسية، والذي أخذ يتعبأ في وقت يشهد فيه الفضاء الثقافي والحضاري الذي ننتمي إليه تحولات كبرى. لقد فهم هذا الجيل أخيرا عمق المشكل، فتحرك، وهو يرفض السير على خطى سلفه بعد أن استشعر هوان أطروحته وعدم فعالية أعماله. ولم تعد السيطرة ممكنة على هذا الجيل الجديد بأي وسيلة كانت، بما في ذلك الطاعة العمياء للسلطة. الشباب الذين خرجوا للتظاهر يوم 20 فبراير وصنعوا الحدث في هذه السنة الموشكة على الانتهاء يتمتعون بذكاء يأخذ متطلبات العصر الحالي بعين الاعتبار. إنهم يعلمون حقيقة معنى التغيير، وهو ما لم يفهمه أسلافهم ولم تدركه الطبقة السياسية المغربية. التغيير من وجهة نظرهم مرادف لإلغاء كل الحواجز التي تعيق استتباب الحرية: الفقر والأمية وغياب الفرص الاقتصادية وانعدام الخدمات العمومية، بالإضافة إلى عدم التسامح أو السلطوية والتعسف.
ويتجسد التغيير في إصلاحات تروم الازدهار الاقتصادي، الذي يفضي بدوره إلى تحسين مستوى عيش السكان وتتيح لهم إمكانية حياة أفضل، والشيء نفسه ينطبق على التربية والصحة وعوامل أخرى تؤثر على الحريات الفعلية التي يتمتع بها المغاربة، بما فيها الحريات الفردية.
إننا نقيس جيدا أهمية التحول الذي يجب أن يعرفه المغرب ونعي كذلك المسؤولية الملقاة على عاتق من سيتولى تدبير الشأن العام في الخمس سنوات المقبلة. وفي مقابل هذه المسؤولية، تتوجب بلورة مشروع لا تكون فيه السياسة رهينة بمصالح مجموعات الضغط ولا تخضع فيه الحكومة للتعليمات وتنفصل فيه المسؤولية عن الولاء. إنها مسألة قناعات وقدرة على اتخاذ القرار. لا بد من الجرأة والمخاطرة لأنه، وكما قال أحد كبار رجال السياسة: «لا توجد سياسة بدون مخاطر، ولكن توجد سياسات غير محظوظة».