"تنامي المد الإسلامي" كذبة كبرى و المغاربة ليسوا في حاجة إلى من يلقنهم المناسك و القواعد الشرعية في المعاملات
الذي يسمع بعض التقارير و"استطلاعات الرأي" والتكهنات بخصوص ما ستفرزه الصناديق يوم 25 نونبر، سيتبادر إلى ذهنه أن المغاربة لم يعرفوا قط الإسلام وسيتعرفون لأول مرة على القرآن الكريم وسنة الرسول الأعظم !
حين أناقش بعض الأصدقاء في الموضوع، ألاحظ أنهم يحاولون إسقاط بعض التجارب الانتخابية التي عرفتها بعض البلدان على المغرب، وهي محاولات تقفز على معطيات التاريخ وعلى خصوصيات المجتمع المغربي.
راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة التونسي ذي المرجعية الإسلامية في حوار مع قناة "هنيبعل"، كان أكثر إدراكا لهذه الخصوصيات ولدروس التاريخ، لما حصر إمكانية "المد الإسلامي" عند حدود تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا.
إننا بدون الإلمام بالتاريخ لا يمكننا فهم دواليب السياسة، ولذلك فحين يتحدث بعض الناس بإعجاب مبالغ فيه عن التجربة التركية واحتمال انتقال عدواها إلى باقي بلدان العالم "العربي"، يتناسون حقيقة عجز الغزو العثماني في أواخر القرن 19 وبداية القرن 20 عن التغلغل إلى بلاد المغرب الأقصى، في حين استطاع "الباب العالي" بسط نفوذه على معظم الدول التي تعيش رياح "الربيع العربي".
وإذا كانت هذه الأقطار قد عرفت بعد الغزو التركي الاستعمار الغربي، فإنها بعد الاستقلال اختارت أنظمة تتراوح بين الاختيارات القومية البعثية والنماذج شبه العلمانية، وهو الأمر الذي ربما يكون وراء فتح شهية شعوبها لاكتشاف ما يسمى ب"النموذج الإسلامي" للدولة والمجتمع.
في تونس مثلا، حاول الراحل الحبيب بورقيبة فصل الدين عن الدولة من خلال التحفيز على عدم صوم رمضان بذريعة "عرقلة الصيام للعمل والإنتاج"، وفي ليبيا العقيد تم إعطاء صورة مغايرة للإسلام شملت حتى تغيير التقويم الهجري باحتساب التاريخ من ميلاد الرسول، وفي يمن صالح سبق لقبائل الجنوب والشمال أن تناحرت باسم الماركسية، وقد فتحت تلك "البدع" الباب أمام تنامي الحركات السياسية ذات الغطاء الديني.
وسط هذا الخضم الذي تتداخل فيه جملة من المعطيات، ظل المغرب وسيبقى مشكلا للاستثناء العربي والإسلامي، لأنه حافظ منذ قيامة كدولة مكتملة البنيان على استقلاليته، حيث اختار المغاربة الإسلام السني المالكي المعتدل ولم تدخل إلى قلوبهم بذور الطائفية ، بل أحبوا الرسول وآل البيت بدون السقوط في فتنة التشيع، وبايعوا آل البيت من أسباط الرسول للاضطلاع بأمانة الملك وإمارة المؤمنين، وهو الاختيار الذي حصن المغرب، على مدى التاريخ، من كل الانزلاقات والأعاصير القادمة سواء من الشرق أو الغرب.
علينا إذن ألا نصنع، نحن المتشبثون بعقيدة التوحيد من الذين ألهمم الله، أبا عن جدا "إيمان العجائز" حسب قول الفارق عمر بن الخطاب، صنما في السياسة " البديل الإسلامي"، لأن المغاربة كلهم مسلمون، والإسلام كان وسيظل دوما تاجا فوق رؤوسهم، تصونه وتحميه مؤسسة إمارة المؤمنين التي تحظى بإجماع الشعب، بيعة ودستورا.
وعليه، فإن المغاربة كلهم ضد استغلال الدين في السياسة وليسوا في حاجة إلى من يلقنهم المناسك و القواعد الشرعية في المعاملات، لأنهم أشد الناس تمسكا بالنهج القويم، ولكنهم يتطلعون إلى برامج وسياسات واقعية ومخططات تنمية مدققة قابلة للإنجاز على أرض الواقع، ولن تنطلي عليهم حيلة اللعب على وتر رفع "SMIG " ، ومقايضة حريتهم بالتدريج.