1)
خلق عمدة مدينة اكادير الحدث وهو يستنكر منعه من حضور حفل الولاء الذي شهده القصر الملكي بتطوان يوم 31 يوليوز،فالجميع تحدث حول الرجل وحول منعه من تقبيل يدي الملك والانحناء له فيما يسمى بالبيعة التي دأبت الدولة العلوية عليها منذ أمد.
لطارق القباج عدة أفضال على مدينة اكادير،فتجربته الحالية على رأس بلديتها أعطت العديد من العلامات الايجابية حول رجل يعمل بجدية في مركز حساس رغم كل المضايقات التي يتعرض لها من طرف جهات تعرفها جيدا ساكنة مدينة اكادير،لكن ما أثار استغرابي هو حجم كل هذا اللغط بسبب وحيد وهو منع العمدة من حضور حفل كنا نتمنى أن يصير مجرد ذكرى ماتت بعد آخر صياغة دستورية،فجميل أن نتضامن مع الرجل ضد جهات تشوش عليه في عمله،لكن من غير اللائق أبدا على حزب كالاتحاد الاشتراكي-الذي لا زال يفاخر بمرجعيته اليسارية- ان يصدر بيانا يزكي فيه هذه الأعراف المخزنية المهينة للمغاربة،بل ويراها نوعا من الحكامة والديمقراطية،ولا ادري أين تكمن الديمقراطية في الانحناء وتقبيل الأيادي،اللهم إن كانت ديمقراطية من نوع جديد يسمونه بالاستثناء المغربي..
الملك محمد السادس لا يحتاج في نظري لكل هذا الضوضاء المسماة بالبيعة لكون الملكية بالمغرب مترسخة وعليها شبه إجماع من المغاربة،وقد كان حري بالمؤسسة الملكية ان تصحح مثل هذه الأمور التي لا زالت تربطنا بعهد كنا نتمنى أن يصير من الماضي،فعلى الأقل لم تكن صورة القباج لتصاب ببعض من النقد اللاذع،ولم يكن حزب الاتحاد الاشتراكي ليسقط في مزيد من التخبط بين مرجعيته اليسارية وواقعه الممخزن،فالحزب يقول بأنه مع فصل الدين عن الدولة،وفي نفس الوقت يصر على مباركة هذا البروتوكول الملكي،وهي المفارقة الغريبة التي تجعلنا نقرا الفاتحة على روح حزب بنبركة وبوعبيد...
2)
في موجة لم يسبق لها مثيل منذ 6 عقود، يواجه الشعب الصومالي أحلك الأزمات بسبب كارثة نقص الغذاء والجفاف التي تهدد المنطقة، حيث كشفت تقارير إخبارية أن نحو 29 ألف طفل صومالي توفوا بسبب الجوع خلال الأشهر الثلاثة الماضية، كما تقدِّر بكون 3،2 مليون صومالي باتوا بحاجة إلى مساعدات إنسانية فورية لإنقاذ حياتهم، حيث شارف نصف مليون طفل على الموت بسبب الجفاف والمجاعة.
مشاهد مؤثرة وصور يبكي لها القلب قبل العين،ناس من لحمنا ودمنا يموتون جوعا بينما نحن نشرب زلاليف الحريرة ونأكل الشباكية ونضحك ببلادة-هذا ان كنا نضحك-على تفاهات مثل "تكبر وتنسى" و" ياك حنا جيران"،فروابط الإسلام كانت تفرض علينا نحن المسلمين أن نكون أول من يغيث شعب الصومال،وان نتدخل قبل الأمم المتحدة وأمريكا وباقي الدول الغربية،لكن الأنانية المتجذرة في الأوطان الإسلامية جعلت حتى المجتمع الدولي يستغرب لهذا الإهمال العربي والإسلامي لبلد له نفس الدم ولو اختلف اللون.
صحيح أن منظمة المؤتمر الإسلامي أعلنت عن عملية تبرعية كبيرة،وصحيح أن السعودية مثلا أعلنت عن عزمها تقديم 60 مليون دولار والكويت عن 10 ملايين دولار،لكن كل هذا لا يكفي إن نحن علمنا أن الولايات المتحدة الأمريكية التي طالما رأينا فيها محور الشر في العالم،قدمت إلى حد الآن 105 ملايين دولار للشعب الصومالي حسب البيت الأبيض،بينما لا زالت الوعود العربية في مكانها ولم يتم القيام باجتماع لجامعة الدول العربية الا في حدود الأسبوع الماضي حيث تحدثوا عن عزمهم إرسال ما يقارب 3 ملايين جنيه مصري من المساعدات.
تخيلوا معي لو أن بلدا أوربيا داخل الاتحاد الأوربي أصيب بهذه الكارثة-ولو أن هذا من سابع المستحيلات-،لتسابقت الدول الأوربية على تقديم الدعم والإغاثة لأنهم يرون أنفسهم جسدا واحدا رغم الماضي المرير والحروب العالمية الدموية،بينما نحن،ورغم التاريخ الإسلامي والعربي المشترك،إلا أننا نبكي على مشاهد أطفال الصومال ثم نرميهم إلى غياهب الذاكرة،وأقصى ما نقوم به هو دعاء في المسجد قد يضيع وسط زحمة الأدعية الرمضانية الشخصية..
حال بلاد المسلمين يدعو للشفقة بين بلدان غنية تشتري النوادي الأوربية الرياضية بملايير الدولارات،وبين دولة يصوم سكانها دون فطور ولا سحور،بين مساعدات شحيحة تصل إلى الصومال،وبين جماعات تسمي نفسها بالإسلامية تقضي على ما تبقى من حياة داخل هذا البلد،بين مسابقات رمضانية يربح فيها المشاهدون آلاف الدولارات،وبين طفل يحتضر أمام الكاميرا ولا من منقذ..
ماذا لو تم انجاز وصلة اشهارية بجانب وصلة شركة الضحى تدعو الدولة من خلالها المغاربة إلى التبرع ولو بدرهم واحد لإغاثة شعب الصومال؟فلو افترضنا أن كل مواطن مغربي أعطى درهما واحدا لكان اقل مبلغ يتم جمعه هو 35 مليون درهم مغربي،أليس مبلغا مهما؟ألن ينقذ حياة آلاف الأطفال في الصومال؟ألن تكون التفاتة ولو بسيطة منا كمغاربة لشعب يتمرغ بين الجوع والقتل؟
لقد جمع المغاربة في بداية التسعينات مبالغ مهمة تم بفضلها بناء مسجد يصلح لالتقاط الصور أكثر مما يصلح للصلاة،ولا اعتقد انه يعز عليهم جمع ولو ربع هذه المبالغ لإغاثة إخوانهم في الصومال،فكل ما نحتاج إليه هو الإرادة..الإرادة فقط..